ما بعد إعصار "هارفي"

03 سبتمبر 2017
كأنه في جزيرة (إيميلي كاسك/ فرانس برس)
+ الخط -
توقفت الأمطار الغزيرة في غالبية مناطق ولايتي تكساس ولويزيانا، وبدأ منسوب المياه بالانخفاض. إلا أن مساحات واسعة ما زالت تبدو كجزر محاطة بالمياه. ومع عودة كثيرين إلى منازلهم، بدأ هول الأضرار وحجم الدمار الذي خلّفه إعصار "هارفي" والفيضانات يتضح أكثر فأكثر.

وحصل ما كان قد حذّر منه بعض المتخصّصين في مجال البيئة، إذ تسرب الغاز من مصنع "أركيما" الكيميائي، وقد سُمعت أصوات انفجارات. والسبب أن الغاز يجب أن يكون محفوظاً في درجة حرارة معيّنة. إلا أن انقطاع الكهرباء لمدة طويلة أدى إلى تسرّبه وحدوث انفجارات وانبعاث دخان أسود. ورفض مسؤولون في الشركة وصف ما حدث بـ "الانفجار"، حتى لا يثير الأمر هلع السكان في المنطقة. وما زالت المعلومات متضاربة حول مدى خطورة تلك المواد والحرائق المشتعلة.

وكان مسؤولٌ في البيت الأبيض قد أشار إلى إخلاء المنطقة من السكان بسبب مخاطر الإعصار، مضيفاً أن الغاز لا يشكّل خطراً على السكان الذين لا يعيشون على مقربة منه. لكن تضاربت المعلومات مع أخرى صدرت عن مسؤولين محليّين، رفضوا التقليل من عدم خطورتها. وتوجه عاملون في وزارة البيئة إلى المنطقة لأخذ عيّنات، وفحص مستوى خطورة تلك الانبعاثات. ومنعت السلطات المحلية السكان الذين يعيشون على بعد 2.5 كيلومتر من محيط المصنع، من البقاء أو العودة إلى منازلهم حتى إشعار آخر. ويتوقع أن تواجه الشركة أسئلة كثيرة بسبب عدم وجود خطط طوارئ كافية تحول دون تفاقم الوضع إلى هذا الحد.

وتُظهر هذه القضية إشكالية أُخرى، بعدما علّقت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في شهر يونيو/حزيران الماضي، العمل بقوانين تفرض على شركات البترول والكيماويّات والمصانع، اتخاذ خطوات إضافية وقائية لمنع وقوع كوارث من هذا القبيل في حالات الطوارئ. وبحسب هذه الخطوة، تهدف الإدارة الأميركية إلى تشجيع الاستثمار.

وتقول مصادر رسمية في تكساس إن الإعصار والفيضانات أديا إلى وفاة العشرات. وحتّى اللحظة، تقدّر الخسائر المادية التي خلّفها الإعصار والفيضانات بنحو 100 مليار دولار، وقد صدرت عن مؤسسات متخصصة كشركة "أر إم إس"، المعنية بتقييم أضرار الكوارث. ويرفض مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض نفي أو تأكيد صحة هذه التقديرات، قائلاً إنّه لن يستغرب إن فاق حجم الخسائر هذا الرقم.



أمّا كميّة المياه التي تساقطت في مدينة هيوستن الواقعة في تكساس، وهي رابع أكبر مدينة أميركية، والتي شهدت أحياء واسعة منها أضراراً غير مسبوقة منذ عقود، فتقدر بـ20 ترليون غالون. وأعلن البيت الأبيض في تقديرات أولية تعرّض 100 ألف بيت لأضرار بمستويات مختلفة. ويتجاوز عدد الأشخاص الذين تأثروا بالعاصفة هارفي والفيضانات 13 مليون شخص في أكثر من ولاية، في حين ما زال أكثر من 42 ألف شخص يعيشون في ملاجئ، بحسب تقديرات الصليب الأحمر الأميركي. واضطرت السلطات إلى إخلاء بعض الملاجئ لتعرّضها لفيضانات. وتمكّنت فرق الإنقاذ من إخلاء نحو 10 آلاف شخص من بيوتهم، ناهيك عن الأشخاص الذين أنقذهم متطوعون بجهود فردية.

وشارك عشرات الآلاف في عمليات الإنقاذ، منهم 24 ألف جندي من الحرس الوطني. وأخلي أكثر من مستشفى في مدينة هيوستن ومناطق أخرى في ولاية تكساس، بسبب انقطاع التيار الكهرباء، وتعطل جزء من شبكات تزويد المياه، وإعلان السلطات المحلية أنها لن تتمكن من تصليحها بسرعة، ما دفع المسؤولين إلى نقل المرضى إلى مستشفيات أخرى بعيدة نسبياً.

وتؤكد مصادر رسمية أن هناك أكثر من 6 آلاف كرفان ينوي البعض السكن فيها مؤقتاً حتى يتمكنوا من تصليح بيوتهم، وهو ما قد يستغرق أشهراً أو أكثر. في هذا السياق، فإن عدد البيوت التي تضررت يصل إلى مائة ألف، ناهيك عن المباني الحكومية والعامة والطرقات، وكلها معطل بشكل كامل أو جزئي، ما يجعل عمليات إعادة الإعمار مضنية وطويلة.
وتواجه السلطات مشكلة أخرى تتعلق بالكرفانات، إذ يجب ربطها بشبكة مياه وصرف صحي وكهرباء. وتحتاج السلطات المحلية إلى تخصيص مواقع عامة لأصحاب تلك الكرفانات لركنها وربطها بتلك الشبكات. ويقول حاكم ولاية تكساس، غريغ آبوت: "سنحتاج إلى سنوات وسنوات حتى نتمكن من تنظيف وإعادة إعمار الأضرار والخروج من مخلفات الكارثة".

وانقطعت إمدادات المياه بشكل كامل عن جميع سكان مدينة بويمونت في ولاية تكساس، والتي يبلغ عدد سكانها 120 ألف نسمة، بسبب الفيضانات. وبدا السكان محاطين بالمياه من كل جانب، لكنّهم لا يستطيعون الحصول على أية إمدادات للمياه الصالحة للشرب أو الاستحمام أو المراحيض، منذ يوم الخميس الماضي. وتشير السلطات المسؤولة في تلك المدينة إلى أنها لا تعرف متى يمكنها تصليح الأعطال بسبب غرق المولدات والمضخات تحت المياه، وهو ما يشكّل تحدياً لفرق الإطفاء في حال اندلاع الحرائق. وطالبت فرق إطفائية في المدينة بخزانات مياه احتياطية من مدن أخرى، تحسباً لوقوع حرائق ونفاد مخزونها.

وسط كل هذا الدمار، تبقى قضية أخرى عالقة وتنذر بكارثة إضافية على المهاجرين الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية، وعددهم نحو 11 مليون مهاجر في البلاد. أما عدد هؤلاء في مدينة هيوستن الكبرى، والتي ضربها الإعصار والفيضانات بشدة، فيقدر بنحو 600 ألف شخص. وأخذ ترامب على عاتقه ملاحقتهم، وحرّض عليهم في مناسبات عدة بعد انتخابه.

وأقرّت ولاية تكساس قانوناً جديداً يسمح لقوات الأمن الفدرالية بسؤال أي شخص عن وضعه القانوني وترحليه. وحاول عمدة هيوستن، سيلفستر تيرنر، والذي عمل محامياً، طمأنتهم، قائلاً إنه سيتولى وبشكل شخصي، الدفاع عن أي شخص تقرر الحكومة الفدرالية ترحيله، أو القبض عليه في الظروف الحالية. وأعلن البيت الأبيض أنّه لن يسأل أي شخص في الملاجئ عن وضعه القانوني المتعلق بالهجرة.