مأساة جديدة تعيشها الجزائر بسبب حالات الغرق عند الشواطئ وفي التجمعات المائية. الأسباب عديدة، إذ يتوجه عشرات الأطفال نحو البرك المائية والوديان من أجل السباحة في ظلّ الحرارة المرتفعة التي لا تطاق والتي تشهدها البلاد منذ أسابيع.
في المدن الداخلية لا تتوفر وسائل الترفيه والاصطياف والمسابح، وهو ما يدفع بالشباب والأطفال إلى "رمي أنفسهم في التهلكة"، كما يقول محمد لبدي لـ"العربي الجديد". هو عامل في مديرية الدفاع المدني بولاية الأغواط، جنوب الجزائر. يتابع أنّ كثيرين مهووسون بـالبحر والماء ولم يجدوا ضالتهم إلّا في البرك للسباحة، وهو ما يكلفهم غالياً، خصوصاً في ظل عدم توفر الشروط الصحية ووسائل الإنقاذ والحراسة.
من خلال الأرقام، يتبين أنّ مديرية الدفاع المدني سجلت 78 حالة وفاة غرقاً منذ بداية موسم الاصطياف لهذا العام، أي في الفترة ما بين بداية يونيو/ حزيران و31 يوليو/ تموز الماضيين، من بينها 48 حالة سجلت في شواطئ غير مسموح بالسباحة فيها، و63 حالة وفاة في المجمعات المائية، خصوصاً السدود والبرك في المدن الداخلية. وبحسب إحصائيات المديرية، تحتل ولاية بجاية الصدارة بتسجيلها 18 حالة وفاة، تليها ولاية بومرداس بـ11 حالة، ثم مستغانم بـ10 حالات. بالرغم من النداءات التي وجهتها مديرية الدفاع المدني عبر وسائل الإعلام الجزائرية، بعدم التوجه نحو التجمعات المائية للسباحة بالنظر إلى خطورتها، كثيرون يفضلون السباحة والتمتع بالمياه هناك و"يركبون المخاطر"، على حد تعبير جمال الدين لعلالي لـ"العربي الجديد"، إذ تشهد منطقة باب الوادي المقابلة للبحر منافسة شديدة كلّ مساء بين شبان من المنطقة تراوح أعمارهم ما بين 16 عاماً و30. وهي منافسة يتبارى فيها الشبان بالقفز من أعلى صخرة نحو البحر وقذف أنفسهم بطريقة بهلوانية. هذه القفزات بالذات عند الصخور المحاذية للقصبة العتيقة والقريبة من منطقة عين البنيان منعتها السلطات ومنعت السباحة في المنطقة. تُسجَّل يومياً حوادث تهدد حياة الشباب وتسقط جرحى ومصابين أو قتلى.
في هذا الإطار، تقول الطبيبة سعاد بن عبد الله، من المركز الاستشفائي في منطقة الدويرة بالعاصمة الجزائرية، لـ"العربي الجديد"، إنّ عشرات حالات الإغماء والتشنج العضلي تحدث للشباب والأطفال جراء السباحة في البرك، فضلاً عن أمراض مصاحبة للسباحة في هذه التجمعات المائية، بسبب تعفن بعض البرك، وهو ما يصيب المجازفين بالحمّى وغيرها من الأمراض الجلدية والتنفسية. كذلك، تدعو بن عبد الله إلى تكثيف توعية المواطنين، لأنّ السباحة في أماكن غير صحية تشكل خطراً كبيراً على حياتهم، لافتة الى أنّ المشكلة الكبرى هي انعدام التوعية.
في المقابل، يفتقد كثير من سكان المدن الداخلية إلى مثل هذا الوعي، فهناك من يترك أبناءه للتمتع بمياه البرك والتجمعات المائية مثل السدود من دون أيّ حماية. يحصد سدّ بني هارون بولاية ميلة، شرق الجزائر، عدداً من الضحايا سنوياً، خصوصاً سكان المدن والقرى القريبة منه والتي تفتقر هي الأخرى إلى وسائل الترفيه. يقول رشيد لمهان لـ"العربي الجديد": "لا يسبح فيه وينجو إلّا طويل العمر". يوضح أنّه يقطن في مدينة قرارم قوقة التابعة إدارياً لولاية ميلة القريبة من السد، ويشاهد يومياً أطفالاً يسبحون في التجمع المائي المحاذي للسد، وهو يضم مياهاً غير صالحة، كما أنّه خطير في السباحة لوجود تيارات تسحب السباحين إلى الأسفل في حال غطسهم بكامل أجسادهم.
بين الواقع والمفترض كلام كثير يتحدث به المواطنون في المدن الداخلية حول عدم توفر وسائل الترفيه وغياب المسابح المجهزة والآمنة والمغطاة فيها، وهو ما يدفع كثيرين إلى البرك الخطيرة، في إهمال واضح لصحتهم وحياتهم حتى. يحمّل البعض السلطات مسؤولية ذلك، ويقول بعضهم في أحاديث متفرقة لـ"العربي الجديد"، إنّ المسؤولية الكبرى تقع على عاتق رؤساء المجالس البلدية، فالحكومة تضع مبالغ مالية لتشييد مسابح في المناطق التي لا تطل على الساحل، لكنّ تجهيزها يطول أكثر من عشر سنوات، كما أهمل العديد من المسؤولين تجهيز المدن الداخلية بمرافق عامة تضمن الراحة للمواطنين، خصوصاً في المساحات الغابية التي يمكن أن تتوفر على مراكز للترفيه والرياضة وتضمن شروط قضاء عطلة صحية. هي خدمات يراها المواطن البسيط موجهة بالدرجة الأولى إلى العائلات المعوزة التي لا تتمكن من قضاء عطلة الصيف في المناطق الساحلية.