تلاميذ سودانيون بلا كتب

07 يوليو 2017
ضحية الفقر (محمد الشامي/ الأناضول)
+ الخط -

بات خيار ترك أطفالها الثلاثة في المدرسة رفاهية بالنسبة إلى فاطمة (40 عاماً)، التي أثقلت المصاريف كاهلها، ولم تعد قادرة على تلبية طلبات المدرسة الكثيرة، من رسوم وكتب وغيرها، هي التي تعتمد على أعمال متفرقة لإعالة أطفالها، وقد توفي زوجها في حادث.

فاطمة أخرجت ابنها البكر، وهو في الصف الخامس أساسي، من المدرسة، ودفعته إلى سوق العمل، يبيع المناديل في شوارع العاصمة المختلفة، ليساعدها في المصاريف، علّ الطفلين الأصغر سناً يتابعان دراستهما، وإن لم يكن الأمر مضموناً.

تقول فاطمة لـ "العربي الجديد" إنها كانت تحلم أن يتعلم أبناؤها الثلاثة، لكن الظروف حالت دون تحقيق حلمها. تضيف: "في كثير من الأحيان، أفشل في تأمين مصاريف المدرسة، وحتى الملابس، ليطرد أطفالي ويبقون أياماً في المنزل، فضلاً عن المشاكل التي تواجهني لتوفير الكتب، والتي لا تؤمنها المدارس الحكومية". توضح أن ابنتها في الصف الثالث، وتشترك في كتاب واحد مع ستة آخرين.

حال فاطمة لا يختلف عن حال أسر كثيرة، تختار مدارس حكومية لأبنائها بسبب ضيق الحال، علماً أنها تفتقر إلى أبسط الأمور الأساسية، بعدما رفعت الحكومة يدها عنها، ولم تعد تؤمن الزي المدرسي والكتب والقرطاسية للأطفال. فإما أن يشتري التلاميذ الكتب من السوق، أو يشتركون في كتاب واحد مع زملائهم.

هذه الأمور مجتمعة، فضلاً عن البيئة المدرسية، جعلت معظم السودانيين يلجؤون إلى مدارس خاصة، وإن كانت تثقل كاهلهم. لذلك، يضطرون إلى مضاعفة أعمالهم لتأمين المصاريف. سابقاً، كانت المدارس الحكومية ضمن المدارس العشر الأوائل في امتحانات الشهادة السودانية والشهادة الأساس. ونظراً إلى الواقع السيئ الذي يعاني منه قطاع التعليم في السودان، أطلق شباب سودانيون مبادرة بعنوان "أنر دربي"، هدفت إلى تجميع الكتب المدرسية المستعملة أثناء فترة الإجازة من المقتدرين الذين انتقلوا إلى صفوف أعلى من أجل تقديمها للفقراء، الذين يفشلون في تأمين الكتاب المدرسي.

خلال العام السابق، نجحت الحملة في توفير نحو 16 ألف كتاب مدرسي وتوزيعها على 23 مدرسة حكومية داخل وخارج الخرطوم، وينتظر أن يبدأ المبادرون في توزيع ما يزيد عن 14 ألف كتاب على التلاميذ المحتاجين خلال الأسبوعين المقبلين، تزامناً مع استئناف العام الدراسي الجديد الذي انطلق قبل أيام.




تقول الناطقة الرسميّة باسم المبادرة، آمنة الحاج، لـ "العربي الجديد": "كنا نسعى في منظمة ظلال الرحمة إلى تقديم العون إلى المحتاجين في العاصمة. عند البحث، لاحظنا أن بعض الأطفال لا يذهبون إلى المدارس، بسبب عدم توفّر احتياجاتهم، ما قادنا إلى دعم التعليم، من خلال تجميع الكتب المدرسية المستعملة وتوزيعها على المدارس الموجودة في الأطراف، خصوصاً وأن تأمينها صعب بالنسبة لعائلات كثيرة في ظل ارتفاع أسعارها.

كذلك، تسعى المبادرة إلى العمل على بناء وإعادة تأهيل المدارس، خصوصاً وأن بعض التلاميذ يدرسون في الهواء الطلق، أو في خيم. وتلفت الحاج إلى نجاح المبادرة في الحصول على دعمٍ من شركات خاصة وفاعلي الخير. وما زالت تركّز على توفير الكتاب المدرسي خصوصاً وأن نحو سبعة تلاميذ يشتركون في كتاب واحد. وترى أن هذه الخطوة نجحت في سد العجز. في نهاية العام الدراسي، يتوجهون إلى المدارس الخاصة لجمع الكتب، وقد نجحوا في جمعها من 60 مدرسة خاصة، لافتة إلى التعاون الكبير، خصوصاً وأن التلاميذ الذين ينتقلون إلى صفوف أعلى ليسوا في حاجة إلى الكتب، مؤكدة أن "المبادرة لقيت تجاوباً كبيراً من شرائح مختلفة في المجتمع السوداني".

إلى ذلك، تقول نفسية، وهي مدرسة في إحدى المدراس الحكومية، إنه "منذ دمج مرحلتي المتوسط والأساسي في تسعينيات القرن الماضي، رفعت الحكومة يدها عن دعم التعليم بشكل جزئي، وبات يتوجب على عائلات التلاميذ توفير الكتب والزي المدرسي والقرطاسية وغيرها، رغم أنها كانت من ضمن مسؤوليات الحكومة سابقاً". تضيف: "في كل عام، نواجه مشكلة نقص الكتب المدرسية"، مشيرة إلى وجود نقص حاد في كتب المواد الأساسية، كالعربية والإنكليزية والرياضيات. في أحيان كثيرة، يكون هناك كتاب واحد على طاولة يجلس عليها نحو ستة تلاميذ".

وتؤكّد أنّ "هناك مشكلة حقيقية تتعلق بتوفير الكتاب المدرسي مع بداية كل عام دراسي، إذ تتأخر وزارة التربية في توفيره، علماً أنه في بعض الأحيان، تكون متوفرة وبكثرة، ويتعلق الأمر بالمرحلة الدراسية. في الوقت الحالي، هناك شح في كتب الصف الرابع وحتى الصف السابع، بسبب اعتماد منهج جديد بدأ العمل به خلال العام الجاري، وقد توقفت الجهات المعنية عن الطباعة". وترى أنّ مشكلة الكتاب المدرسي "تؤثر بشكل سلبي في التحصيل الدراسي، وتؤدي إلى تضرّر التلاميذ من الناحية النفسية". تلفت إلى أنها قبل أيام، قالت لأحد تلاميذ الصف الثالث، أن يطلب من والده تأمين كتاب، فكان رده أن عائلته لا تملك المال الكافي لشرائه.

دلالات