الغرافيتي في الجزائر... لغة الاحتجاج الصامت

01 اغسطس 2017
البركان قادم.... هكذا يحذر أحد تلك الرسومات(تصوير: أحمد كمال)
+ الخط -


أحيانا تكون أشكالا غريبة، لا يفهمها إلا أصحابها، تحتاج إلى ترجمة، لكن أحيانا أخرى تعتبر رسوما بها معاني تختزل يوميات الشباب، يعرضونها على الحائط، خصوصا أولئك الذين يعبرون برؤوس الأقلام لكن ليس بالكلمات، عندما خانتهم الظروف في الجزائر.

هؤلاء الشباب صار الحائط، أو جزء من بناية قديمة، أو جهة من الجدران في الشوارع الكبرى، متنفسهم الوحيد. مساحات بيضاء كانت شاغرة، يخطون فيها "الأحلام والآمال والتمنيات"، يقول نور الدين (28 سنة)، لـ"العربي الجديد"، رغم أنه يتحاشى التعريف برسوماته التي باتت جزءا من حكايات الحي الذي يقطن فيه.

نور الدين اكتشف نفسه من خلال تلك الرسومات، أحلام تنتظر التحق، عبّر عنها بمجرد كلمة "الهربة" أو "الحرقة"، أي الهجرة إلى ما وراء البحار، فهي حلم الكثيرين من شباب الجزائر الذين ضاقت بهم السبل للوصول إلى مبتغاهم أو تحقيق أهدافهم.

أحيانا تكون رسومات "الغرافيتي" أو "الكتابات الحائطية" بالأبيض والأسود، فيما رآى البعض أنها تحمل معاني بالألوان أفضل ينشرون من خلالها اعترافا خانتهم الكلمات في التعبير عنه، كالتعبير عن الحب أو الطموح إلى الوصول لنجاح ما أو التعبير عن فرحة بفوز فريق في كرة القدم بكأس الجزائر مثلا.

الرسومات كثيرون يرونها من زاوية أخرى، مجال خصب من أجل "التنفيس" عما يخبئه القلب والنفس، ومنهم من يعتقدون بأنها عبارة عن إبداع بأتم معنى الكلمة، بحسب رأي أستاذ الرسم عبد الإله سعداوي، في حديثه مع "العربي الجديد"، فهي برأيه قمة في إبداع فكرة في بضعة صور أو خطوط أو كلمات، لكنها فكرة تستدعي التفكير واستجداء صياغتها في شكل عبارات ومعان، يضيف المتحدث.


الغرافيتي لغة "التنفيس"  لدى الشباب (أحمد كمال) 




























التنفيس

في قراءة منه، قال سعداوي إن "الغرافيتي" ما هو إلا تعبير متجدد لما يعيشه الآلاف من الجزائريين، "وعن أحداث المجتمع أيضا، والتعبير عنها برسومات، تنشر على منصة هي الجدار".

العبارات القصيرة والرسومات غير المفهومة هي تعبير عن حالات نفسية يعيشها الشباب في الجزائر، غالبا ما تكون بلهجة جزائرية شعبية لا يفهمها إلا البعض من شباب يتعارفون في ما بينهم بلغتهم المخترعة من أبناء "الحومة"، أي الحي الواحد.


يرمزون إلى أحلامهم وتطلعاتهم (أحمد كمال) 




يعتقد هشام (19 سنة)، من حي "رويسو" بقلب العاصمة الجزائرية، بأن كل تلك الكتابات الحائطية ما هي إلا "تعبير عن غضب" لشباب أنهكته المشاكل التي يعيشها الشباب وخاصة مشكل البطالة وانعدام الأفق الرحب للكثيرين من كوادر المتخرجين من الجامعات، كما قال.
لكن قطاعاً كبيراً من الجزائريين يراها من زاوية أخرى لأنها، بحسبهم، كتابات "تخدش الرأي العام، وهمجية وأعمال شغب تضر بالمنظر العام للمدينة وللحي أيضا".

حقيقة الكتابات الحائطية هي أنها تفصح عن وجهات نظر المجتمع البسيط من خلال آراء يطرحها البعض في مجموعة حروف أو رسومات، غير أنها تضع "الإصبع على الجرح "، مثلما يرى عدد من المواطنين، في تصريحات متفرقة لـ"العربي الجديد "، فمعضلة السكن والشغل وغلاء المعيشة تجعل الجدران تنطق بالأزمة والوجع، يواصل المتحدث.

يقال إن كل ما هو ممنوع مرغوب، لكن الطريق الأسهل هو البوح على الجدران من خلال رسومات يبحث فيها الشباب عن عالم آخر.


الغرافيتي لغة البوح على الجدران (أحمد كمال) 



إفصاح عن المكنون

لا يمكن حصر الموضوعات التي يعرضها الشباب الجزائري بالمكشوف على الجدران حيث كانت الكتابة على الجدران في وقت سابق نوعاً من الممارسة السياسية والاجتماعية، حينما كانت جماعات وأفراد لا تتاح لهم فرصة إيصال مواقفهم عبر وسائل الإعلام التقليدية، مثلما شرح الشاب يسين (28 سنة)، في حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلا إن البعض "يلجأ إلى الجدران لمخاطبة الآخر والرأي العام والتعبير عن مواقف وآراء وكتابة شعارات وأفكار لا يمكنه حتى إيصالها عبر وسيلة إعلامية قوية".

الأستاذ الجامعي بكلية علم الاجتماع السعيد بن خالفة، يشير من ناحيته إلى أن "المجتمع الجزائري تحوّل نحو سياقات اجتماعية من جهة الشباب الذي يرسم فيها تعبيرات عن حالة الإحباط الاجتماعي أو عن قضايا مختلفة"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنها أصبحت أيضا منابر للتعابير التجميلية حيث تستغلها مجموعات شبابية في رسم تعابير فنية "مشحونة".

إبداعات الغرافيتي في الجزائر(أحمد كمال) 


ويؤكد أن "الغرافيتي" صار متنفساً حقيقياً لا يمكن أن يتجاوزه أيا كان، سواء المحيط أو الأسرة والجامعة والمؤسسات الحكومية والسياسية، وهو ما يعني أن هذه الكتابات صارت اليوم تعبر عن العمق المجتمعي للشباب الجزائري، عبر فضاء ثابت هو الجدار أو سواري الجسور أو واجهات الملاعب والمدارس، وأصبحت عبارة عن إبداعات تضفي على المشهد العام للمحيط أو المجال العام صورة إيجابية جاذبة ولافتة.


المساهمون