أطفال غزة يكرهون شركة الكهرباء

25 يوليو 2017
تحاولان الترفيه عن نفسيهما (محمد الحجار)
+ الخط -

يتعايش أطفال غزة مع الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي. إلا أن هذا لا يمنعهم من الغضب، إذ يحرمون من مشاهدة مسلسلات الكرتون.

يومياً، ينعم أهالي قطاع غزة بساعات قليلة فقط من الكهرباء. وهذه النعمة قد لا تتحقّق نهاراً، بل في منتصف الليل، ما يعني أن الأطفال لن يتمكنّوا من مشاهدة القنوات المخصّصة للأطفال. في ظلّ هذا الواقع، يحرم مئات آلاف الأطفال في مدينة غزة من مشاهدة البرامج التي تستهويهم، أو الاستماع إلى أغنيات الأطفال.

وتحوّل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي إلى كابوس بالنسبة للغزيين، خصوصاً الأطفال، الذين أنهوا عامهم الدراسي على نور الشموع. وفي العطلة الصيفية، يحرمون من مشاهدة مسلسلات وأفلام الكرتون. أما البحر، فملوث. كما أن الأماكن الترفيهية قليلة.

منذ كان أحمد المدهون (9 أعوام) أصغر سناً، يدرك أن الكهرباء غير متوفرة دائماً في قطاع غزة. وكثيراً ما يسأل أهله: "كم هي عدد الساعات التي تنقطع فيها الكهرباء في دول العالم؟"، ولا يصدق أنّ الكهرباء لا تنقطع في عدد من الدول، بل يعتقد أن ما ينطبق على غزة ينسحب على دول أخرى. لا يذكر أنّه تابع مسلسلاً كرتونياً كاملاً على التلفزيون، بل عادة ما يشاهد نصف الحلقات، علماً أنه شغوف جداً بالمسلسلات الكرتونية. ويقول لـ "العربي الجديد": "أشعر بالغضب لأن بعض مسلسلات الكرتون لا تُعرض خلال وجود الكهرباء. أحب كل الشخصيات الكرتونية، حتى تلك الموجودة في الكتب المدرسية".

يتلهون في الزقاق الضيّق (محمد الحجار) 


شادي مهنا (6 سنوات) يعتقد أيضاً بأن الكهرباء تنقطع في كل دول العالم، كما هو الحال في مدينته. لكنّه يكره شركة الكهرباء كثيراً، بل هي عدوته الأولى. ويشير إلى أنه يراهم من شقته ينزلون المقبض الحديدي لتقطع الكهرباء عن المنطقة. يقول: "أحب سبونج بوب وماشا، وهي فتاة ترتدي منديلاً أحمر وتحب أن تلعب". ويتمنى أن يكون مغامراً مثلهما، ويزور الأماكن التي يزورونها. ففي غزة، تنقطع الكهرباء في كل مكان، بينما هما في أماكن لا تنقطع فيها الكهرباء.

تحرص عائلة شادي على تجنيبه نشرات الأخبار أو غيرها لإبعاده قدر المستطاع عن أخبار القتل والدمار، وترى أن مسلسلات الكرتون مفيدة للأطفال. ويقول والد شادي إنه يشاهد مسلسلات الكرتون ليتأكّد أنه ليس فيها أية كلمات مسيئة. لكن المشكلة أنّ إبنه لا يستطيع مشاهدة ما يحبّه بسبب الانقطاع المتكرّر للكهرباء، وهو ما يغضبه كثيراً.

أما آية عيشان (5 أعوام)، فتحبّ الاستماع إلى أغنيات الأطفال، التي تبثّها بعض القنوات المتخصصة ببرامج الأطفال. والسبب أنّ مدة الأغنيات قصيرة، ما يعني أنها تستطيع الاستماع إليها خلال وجود الكهرباء، بعكس مسلسلات الكرتون التي عادة ما تكون أطول، وقد تُحرم من معرفة النهاية إذا ما انقطعت الكهرباء. وتروي لـ "العربي الجديد" عن آخر فيلم كرتوني تابعته قبل شهر، عن مملكة الديناصورات، لافتة إلى انقطاع الكهرباء بعدما عاد الديناصور الصغير والبطل إلى موطنه الأصلي الذي كان قد تاه عنه. وبعد انقطاع الكهرباء، بكت لساعات وهي تطلب من والدها تشغيل الفيلم. ويشرح والدها أن إبنته ظنت أنه المسؤوال عمّا حدث.

يمضي وقتاً في الميناء (محمد الحجار) 


من جهتها، توضح المعالجة النفسية، والمتخصصة في شؤون المرأة والطفل، إيمان جبر، أنه خلال متابعتها حالات بعض الأطفال، لاحظت أن الحرمان من الأنشطة، كتلك الرياضية، أو مشاهدة التلفزيون وغيرها، يزيد من الاكتئاب والعنف لديهم. وتشير إلى أن عدداً كبيراً من الأهالي يشكون من حفظ الأطفال بعض الكلمات أو العبارات "المسيئة"، على حد وصفهم، خلال مشاهدتهم أفلاماً تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أو تلك التي يرددها الكبار أمامهم، لافتة إلى أنها تؤثّر فيهم في ظل غياب برامج هادفة يمكن لهم متابعتها بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

تضيف جبر: "للأسف، ليس هناك حرص كافٍ على الأطفال، ومنعهم على سبيل المثال من مشاهدة بعض الأفلام أو البرامج الخاصة بالكبار. لطالما أشرنا إلى أهمية الكرتون وأغاني الأطفال خصوصاً أنها قريبة من أعمارهم، حتى لو اختلفنا مع بعضها. والمشكلة أن أطفال غزة يولدون كباراً، لأنهم مجبرون على التأقلم مع الحياة الصعبة في القطاع".

وكانت رئيسة المكتب الميداني لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة في غزة، بيرنيل إيرنسايد، قد أعلنت استناداً إلى دراسة أعدت في عام 2016، أن نحو 400 ألف طفل في غزة يواجهون مستقبلاً معتماً بفعل الصدمات التي واجهوها بعد العدوان الأخير على غزة. أضافت أن الواقع بات أصعب بالنسبة إليهم لأن النضال بات يهدف إلى تأمين حقوق الأطفال الأساسية وليس الترفيه عنهم.