المصريون في مهبّ الغلاء

03 يوليو 2017
رفع أسعار المنتجات النفطية يحبط المصريين (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

إحباط واضطراب في الشارع المصري، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي مذ أصدرت الحكومة المصرية، الخميس الماضي، قراراً يقضي برفع أسعار المنتجات النفطية بنسب تبدأ من 45 في المائة وتصل إلى مائة في المائة لبعض المنتجات، مثل أسطوانات الغاز الخاصة بالمنازل والمحال التجارية.

كثيرون من الذين شاركوا في تظاهرات الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 التي تبعها الانقلاب العسكري، راحوا يعبّرون أخيراً عن ندمهم. وكتب أحدهم: "حتى لو ربنا سامحني؛ أنا مش هسامح نفسي". ووسط الندم واليأس والإحباط، يُطرح السؤال حول أسباب الغضب المكتوم.. هل هو عجز أم ضعف أم قلة حيلة أم خوف من البطش الأمني، الأداة الأولى في يد النظام الحالي؟ ويرى البعض أنّ الغلابة صامتون ليس من أجل سواد عيون السيسي، إنّما على خلفية مخاوفهم من عشوائية الأمن ومن خسارة قوت يومهم بعد يناير وسقوط الدولة وسيناريوهات سورية والعراق.

يقول أستاذ علم النفس محمد فوزي إنّ "حالة الإحباط المنتشرة في الشارع المصري اليوم طبيعية"، موضحاً أنّ "تلك أعراض طبيعية لوقع القرار (رفع أسعار المنتجات النفطية)، تصل ذروتها مع تحليل الموقف وإجراء الحسابات والتعرّض إلى تصريحات المسؤولين غير المسؤولة والتي لا تراعي المواطن البسيط وعدم قدرته على تلبية احتياجاته الأساسية". يضيف فوزي لـ "العربي الجديد" أنّ "تلك الأعراض تزول تدريجياً بمرور الوقت، كما في الأحداث السياسية والاقتصادية السابقة أو في حال شغلت قضية أخرى تفكير المواطنين بدلاً من الحسابات الاقتصادية الملحة".

تجدر الإشارة إلى أنّ رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، صرّح أخيراً بأنّ "هناك رضا بين المواطنين على زيادات الوقود.. والشعب يعي صعوبة المرحلة، والصورة تتحسن وموارد الدولة تزيد والمشروعات القومية يتم تنفيذها". وهو حديث يشبه ما جاء على لسان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في خطابه الذي وجّهه إلى الشعب بمناسبة "ذكرى ثورة 30 يونيو". أما رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري، اللواء كمال عامر، فقال إنّ "تحريك الأسعار ثمن قليل في مقابل الأمن.. وهناك شعوب أكلت الحشائش لظروفها الصعبة".

من جهته، يقول أستاذ الطب النفسي، محمد عوض، إنّ "أعباء المصريين النفسية والاجتماعية تتزايد يوماً بعد آخر، منذ 30 يونيو/ حزيران 2013"، لا سيّما مع إحصاء "أكثر من ثلاثة آلاف شهيد على أقل تقدير برصاص النظام في تظاهرات واعتصامات وتصفيات مباشرة وكذلك نتيجة إهمال طبي في المعتقلات، فضلاً عن أكثر من ألف ضحية مدنية من أبناء سيناء وتهجير عشرات الآلاف من أهلها وجعلها منطقة طاردة للسكان، بالإضافة إلى عشرات آلاف الأشخاص المعوّقين برصاص النظام ومئات آلاف المعتقلين والمطاردين والمهاجرين قسرياً والمفصولين والمصادرة أموالهم".

ويشير عوض لـ"العربي الجديد" إلى تأثّر نفسيّة المصريين بـ"انهيار السلام الاجتماعي وتقسيم المجتمع مع استمرار موجات التضليل وبث الكراهية والفتنة، والحرب الشرسة على ثقافة وقيم المجتمع، والتنازل عن أراضي وثروات وحقوق مصر وهدر عشرات المليارات من أجل اكتساب شرعية لنظام الانقلاب". يضيف أنّ ثمّة "سياسات إفساد وإفقار وظلم اجتماعي من دون محاسبة جدية من قبل مؤسسات رقابة أو برلمان أو إعلام حر. ويعاني عشرات الملايين من الشعب المصري من الوضع الاقتصادي السيىء، وسيطرة العسكر على الحياة الاقتصادية والإعلامية، وتكميم وحصار المجتمع المدني من جمعيات أهلية وأحزاب ونقابات، فضلاً عن الفاشية العسكرية وتشويه الثورة والمعارضة حتى الديكورية (الشكلية) منها، التي تعارض من داخل النظام وتعترف بشرعيته".




وكان أستاذ الاقتصاد أحمد النجار، وهو خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قد شدّد في منشور على حسابه الرسمي على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي، على أنّ السياسات الاقتصادية إلى جانب الأوضاع السياسية والاجتماعية تزيد من أعباء المصريين كذلك. وأضا أنّ "التوحّش الرأسمالي أصبح دِيناً لدى البعض، وأصبح تحميل الفقراء والطبقة الوسطى رزايا البرنامج الأيديولوجي الغبي لصندوق النقد الدولي أمراً معتاداً". وتابع أنّ "رفع أسعار البنزين والسولار هو الوصفة السحرية لإيذاء الفقراء والطبقة الوسطى عبر ما يؤدي إليه من انفجار التضخم لأنّ البنزين والسولار مدخلان في تكلفة نقل البشر والسلع، وفي تشغيل الآلات التي يتم من خلالها إنتاج الخدمات والسلع بما فيها السلع الزراعية حيث يُستخدم البنزين أو السولار في تشغيل ماكينات الري وآلات الحرث والحصاد ورش المبيدات والمغذيات".

وأوضح النجار أنّه "إذا كانت التقديرات الرسمية المسلمة لصندوق النقد الدولي تقول إنّ التضخم سيبلغ في المتوسط 22 في المائة عام 2017، فإنّ رفع أسعار الطاقة بهذه النسبة الرهيبة قد يرفع التضخم لأعلى مستوى تشهده مصر في تاريخها الحديث. ومعروف أنّ التضخم يؤدّي تلقائياً إلى إفقار أصحاب الرواتب والأجور والمعاشات الذين لم تزد دخولهم لتستوعب زيادة الأسعار، بينما ترتفع قيمة الأصول والأملاك لأصحاب حقوق الملكية بما يؤدّي إلى مزيد من سوء توزيع الثروات وزيادة الأثرياء ثراءً والفقراء فقراً". وأكّد النجار أنّه "وفقاً لترتيب الصلاحيات، فإنّ المسؤولية تقع كلياً على الرئيس في السماح بهذه الإجراءات غير العادلة التي ستكون عنصراً رئيسياً في محاسبته شعبياً في أيّ انتخابات قادمة. ويقول البعض إنّ المشكلة تكمن في أنّ رقم دعم الطاقة تضاعف بعد تعويم الجنيه حيث يتم استيراد النفط مقوماً بالدولار، ومن الذي قرر ذلك التعويم التعيس. وهو ما يؤكد ما حذّرنا منه مراراً من أنّ ذلك التعويم قرار غير سليم. وكان من الممكن تحريك السعر بشكل منضبط ومدروس بدلاً من هذه العشوائية المرتبطة بتنفيذ البرنامج الأيديولوجي الغبي لصندوق النكد الدولي".

مضمون المنشور الذي يُحمّل النجار فيه السيسي المسؤولية بالكامل، قال به آخرون مثل حزب العيش والحرية - قيد التأسيس - الذي أنشأه المحامي الحقوقي، خالد علي. وجاء في بيان للحزب أنّه مع "استمرار النهج الإجرامي لنظام السيسي والقائم على تحميل الفقراء والطبقات المتوسطة عبء السياسات الاقتصادية المنحازة والفاشلة لعدّة عقود، فاجأ النظام جموع المصريين صبيحة يوم 29 يونيو/ حزيران برفع جديد في أسعار الوقود والكهرباء والغاز". وأضاف الحزب أنّه "من البديهي والمعلوم للكافة أنّ هذه الزيادات ستؤدّي إلى موجة جديدة من الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية والمواصلات ومصروفات المدارس والملابس وكل شيء تقريباً، بما يخلقه ذلك من موجة من التضخم الكاسح، الأمر الذي يجعل حياة الملايين من العمال والفلاحين وعمال اليومية والعاطلين عن العمل أو الذين يعملون أعمالاً موسمية والشرائح الدنيا والوسطى من الطبقة المتوسطة، جحيماً لا يطاق ويهدد بتفجر الأوضاع الاجتماعية وزيادة نسبة التسرّب من التعليم والبطالة وزيادة معدلات الجريمة والتفكك الاجتماعي".