يوماً بعد يوم، يفقد المواطنون السوريّون والأطباء ثقتهم بالأدوية الموجودة في الصيدليات في العديد من المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، ويشكو العديد منهم بسبب انعدام فعالية هذه الأدوية، المحلية منها والأجنبية، ما يدفع البعض إلى تأمينها من الخارج، من خلال الاستعانة بالأقارب والأصدقاء.
أم سماح (52 عاماً) المقيمة في إدلب، تحصل على أدويتها من تركيا، من خلال أحد أقاربها. تقول: "صارت الأدوية مثل السكّر، طعمها حلو لكنها مؤذية. أتناول دواء للضغظ وآخر للسكري، وأوصي أحد أقاربي الذي يعمل سائقاً لشاحنة نقل بضائع عند معبر باب الهوى بشرائها". تشير أم سماح إلى أنّ عدم ثقتها بالأدوية يرتبط بتجربتها وما سمعته من الناس من حولها. تقول: "قبل عامين، كنت أتناول نوعين من الأدوية يفترض أن يقلّلا من نسبة السكر في الدم. مع ذلك، ظل مستوى السكر غير ثابت. وبعدما اشتريت دواء من تركيا، تحسّن حالي".
أحكام
من جهته، يقول الطبيب المتخصّص بالأمراض الداخلية، عبد الله ضبيط: "نعاني من مشكلة انخفاض فعالية العديد من الأدوية. في الوقت نفسه، لا يمكننا القول إنّ كل الأدوية ليست مفيدة. أعتقد أن هذا التعميم يدفع الناس أيضاً إلى الحكم بشكل خاطئ على الأدوية، إذ لا يمكن للمريض أن يحدّد وحده فعالية الدواء أو عدمها. في أحيان كثيرة، يراجعني المرضى لتبديل الأدوية لأنّ صحتهم لم تتحسّن بعد تناولها، فأطلب منهم الاستمرار بتناولها لمدة زمنية محدّدة ومراجعتي بعدها. في أحيان كثيرة، قد لا يكون دواء معيّن هو الأفضل لعلاج حالة معينة، لذلك لا يمكن الحكم على الدواء بعدم الفعالية على الفور".
يضيف: "بات هناك الكثير من الأدوية الأجنبية الجديدة غير المعروفة المصدر، ويضطرّ الصيادلة إلى شرائها بسبب عدم وجود بديل محلي. كأطبّاء، نلاحظ أنّ الكثير من هذه الأدوية غير فعالة، ما يعني أنّها ربما تكون مغشوشة أو منتهية الصلاحية". يلفت إلى أن "تجارة الأدوية المغشوشة موجودة منذ زمن طويل، لكنّ البعض وجد في الظروف الحالية فرصة للربح من خلالها. والسيئ في الأمر أن الكثير ممّن يبيعون في الصيدليات لا يحملون شهادات صيدلة، ولا يهمهم إلا الربح. قبل أيام، راجعني مريض يعاني من مشاكل في معدته. كان يحمل كيس أدوية، إلّا أن حالته كانت تسوء. رميت الأدوية وطلبت منه ألّا يشتري أي دواء من دون استشارة طبيب".
اقــرأ أيضاً
وحول المصادر التي توزّع الأدوية على الصيدليات، يوضح مثنى حمدان، وهو صيدلاني يعمل في ريف إدلب، أن المصادر في مناطق سيطرة المعارضة هي إما معامل الدواء السورية الموجودة في مناطق النظام، أو أخرى تستورد من تركيا. يقول: "نتسلم شحنات الأدوية من خلال موزّعين ينقلون الأدوية ويوزعونها وينقلون البضائع الأخرى كالأغذية والملابس".
يضيف: "لا يمكن إخفاء حقيقة وجود أدوية غير موثوقة في السوق. بالنسبة لي، يعرض علي بعض الموزعين أدوية يقولون إنّها مهربة وبسعر منخفض، لكنني لا أشتريها. لا يمكنني الجزم بالطريقة التي تدخل فيها هذه الأدوية إلى هنا. أسمع أن البعض يحاول تهريبها ضمن المنتجات الغذائية التي تدخل من تركيا عبر المعابر، وأخرى تهرّب بوسائل غير شرعية عبر الحدود. هنا، تقع المسؤولية على الصيادلة بعدم شراء الأدوية من موزعين غير موثوقين، لكن لا يفعل الجميع ذلك، خصوصاً أن وجود الصيادلة في الصيدليات بات نادراً".
منتهية الصلاحية
إلى ذلك، يلفت حمدان إلى لجوء البعض إلى بيع أدوية منتهية الصلاحية، موضحاً أن "الشراء غير المباشر من المعامل يحرم صيدليات كثيرة من إعادة الأدوية منتهية الصلاحية إلى المعمل في حال عدم بيعها. لذلك، يبيعها البعض حتى لا يخسروها، متذرعين بمدة الاحتياط التي تمتد لستة أشهر بعد انتهاء التاريخ المحدد".
وكانت مديريّة صحة إدلب الحرة قد أعلنت مراراً عن سحب عدد من الأدوية غير الصالحة من الأسواق، ومنع توزيع أخرى. كذلك، وأعلنت عن إغلاق معامل كانت تعمل ضمن شروط غير صحية في مناطق سيطرة المعارضة. يقول ياسر سرميني، وهو صيدلي يعمل في سلقين في ريف إدلب: "ساهمت المديرية منذ العام الماضي في منع وصول الكثير من الأدوية المستوردة، وغير معروفة المصدر عبر معبر باب الهوى، والتي كانت تدخل من دون أية رقابة. لكن سوق الدواء ما زال في حاجة إلى إجراءات مشددة أكثر لحماية المرضى، ورقابة أكبر على الصيدليات للالتزام بالقوانين".
ويشير سرميني إلى عامل الحرارة التي يعتبرها مسبباً رئيسياً لانخفاض فعالية الكثير من الأدوية المباعة اليوم. ويقول: "نعاني كصيادلة من صعوبة تخزين الدواء في صيدلياتنا، إذ إن درجة الحرارة في الخارج تقارب الأربعين. في السابق، كان وجود مكيف وثلاجة أمراً أساسياً في أي صيدلية أو مخزن أدوية. لكن اليوم، يصعب تحقيق الأمر بسبب انقطاع الكهرباء وغلاء المحروقات. لا شك أن ارتفاع درجة الحرارة يتسبب في تلف العديد من الأدوية، سواء خلال وجودها في الصيدلية أو بعد بيعها للمريض، وهو ما يفسر شكاوى المرضى".
يضيف: "أحرص قدر الإمكان على ألّا تزيد درجة حرارة الصيدلية عن 32، من خلال حجب أشعة الشمس، وأنصح المرضى بتخزين الأدوية في الظل. قبل أسبوع، وصلتني شحنة أدوية كانت موضوعة على شاحنة تحت أشعة الشمس، فرفضتها".
اقــرأ أيضاً
أم سماح (52 عاماً) المقيمة في إدلب، تحصل على أدويتها من تركيا، من خلال أحد أقاربها. تقول: "صارت الأدوية مثل السكّر، طعمها حلو لكنها مؤذية. أتناول دواء للضغظ وآخر للسكري، وأوصي أحد أقاربي الذي يعمل سائقاً لشاحنة نقل بضائع عند معبر باب الهوى بشرائها". تشير أم سماح إلى أنّ عدم ثقتها بالأدوية يرتبط بتجربتها وما سمعته من الناس من حولها. تقول: "قبل عامين، كنت أتناول نوعين من الأدوية يفترض أن يقلّلا من نسبة السكر في الدم. مع ذلك، ظل مستوى السكر غير ثابت. وبعدما اشتريت دواء من تركيا، تحسّن حالي".
أحكام
من جهته، يقول الطبيب المتخصّص بالأمراض الداخلية، عبد الله ضبيط: "نعاني من مشكلة انخفاض فعالية العديد من الأدوية. في الوقت نفسه، لا يمكننا القول إنّ كل الأدوية ليست مفيدة. أعتقد أن هذا التعميم يدفع الناس أيضاً إلى الحكم بشكل خاطئ على الأدوية، إذ لا يمكن للمريض أن يحدّد وحده فعالية الدواء أو عدمها. في أحيان كثيرة، يراجعني المرضى لتبديل الأدوية لأنّ صحتهم لم تتحسّن بعد تناولها، فأطلب منهم الاستمرار بتناولها لمدة زمنية محدّدة ومراجعتي بعدها. في أحيان كثيرة، قد لا يكون دواء معيّن هو الأفضل لعلاج حالة معينة، لذلك لا يمكن الحكم على الدواء بعدم الفعالية على الفور".
يضيف: "بات هناك الكثير من الأدوية الأجنبية الجديدة غير المعروفة المصدر، ويضطرّ الصيادلة إلى شرائها بسبب عدم وجود بديل محلي. كأطبّاء، نلاحظ أنّ الكثير من هذه الأدوية غير فعالة، ما يعني أنّها ربما تكون مغشوشة أو منتهية الصلاحية". يلفت إلى أن "تجارة الأدوية المغشوشة موجودة منذ زمن طويل، لكنّ البعض وجد في الظروف الحالية فرصة للربح من خلالها. والسيئ في الأمر أن الكثير ممّن يبيعون في الصيدليات لا يحملون شهادات صيدلة، ولا يهمهم إلا الربح. قبل أيام، راجعني مريض يعاني من مشاكل في معدته. كان يحمل كيس أدوية، إلّا أن حالته كانت تسوء. رميت الأدوية وطلبت منه ألّا يشتري أي دواء من دون استشارة طبيب".
وحول المصادر التي توزّع الأدوية على الصيدليات، يوضح مثنى حمدان، وهو صيدلاني يعمل في ريف إدلب، أن المصادر في مناطق سيطرة المعارضة هي إما معامل الدواء السورية الموجودة في مناطق النظام، أو أخرى تستورد من تركيا. يقول: "نتسلم شحنات الأدوية من خلال موزّعين ينقلون الأدوية ويوزعونها وينقلون البضائع الأخرى كالأغذية والملابس".
يضيف: "لا يمكن إخفاء حقيقة وجود أدوية غير موثوقة في السوق. بالنسبة لي، يعرض علي بعض الموزعين أدوية يقولون إنّها مهربة وبسعر منخفض، لكنني لا أشتريها. لا يمكنني الجزم بالطريقة التي تدخل فيها هذه الأدوية إلى هنا. أسمع أن البعض يحاول تهريبها ضمن المنتجات الغذائية التي تدخل من تركيا عبر المعابر، وأخرى تهرّب بوسائل غير شرعية عبر الحدود. هنا، تقع المسؤولية على الصيادلة بعدم شراء الأدوية من موزعين غير موثوقين، لكن لا يفعل الجميع ذلك، خصوصاً أن وجود الصيادلة في الصيدليات بات نادراً".
منتهية الصلاحية
إلى ذلك، يلفت حمدان إلى لجوء البعض إلى بيع أدوية منتهية الصلاحية، موضحاً أن "الشراء غير المباشر من المعامل يحرم صيدليات كثيرة من إعادة الأدوية منتهية الصلاحية إلى المعمل في حال عدم بيعها. لذلك، يبيعها البعض حتى لا يخسروها، متذرعين بمدة الاحتياط التي تمتد لستة أشهر بعد انتهاء التاريخ المحدد".
وكانت مديريّة صحة إدلب الحرة قد أعلنت مراراً عن سحب عدد من الأدوية غير الصالحة من الأسواق، ومنع توزيع أخرى. كذلك، وأعلنت عن إغلاق معامل كانت تعمل ضمن شروط غير صحية في مناطق سيطرة المعارضة. يقول ياسر سرميني، وهو صيدلي يعمل في سلقين في ريف إدلب: "ساهمت المديرية منذ العام الماضي في منع وصول الكثير من الأدوية المستوردة، وغير معروفة المصدر عبر معبر باب الهوى، والتي كانت تدخل من دون أية رقابة. لكن سوق الدواء ما زال في حاجة إلى إجراءات مشددة أكثر لحماية المرضى، ورقابة أكبر على الصيدليات للالتزام بالقوانين".
ويشير سرميني إلى عامل الحرارة التي يعتبرها مسبباً رئيسياً لانخفاض فعالية الكثير من الأدوية المباعة اليوم. ويقول: "نعاني كصيادلة من صعوبة تخزين الدواء في صيدلياتنا، إذ إن درجة الحرارة في الخارج تقارب الأربعين. في السابق، كان وجود مكيف وثلاجة أمراً أساسياً في أي صيدلية أو مخزن أدوية. لكن اليوم، يصعب تحقيق الأمر بسبب انقطاع الكهرباء وغلاء المحروقات. لا شك أن ارتفاع درجة الحرارة يتسبب في تلف العديد من الأدوية، سواء خلال وجودها في الصيدلية أو بعد بيعها للمريض، وهو ما يفسر شكاوى المرضى".
يضيف: "أحرص قدر الإمكان على ألّا تزيد درجة حرارة الصيدلية عن 32، من خلال حجب أشعة الشمس، وأنصح المرضى بتخزين الأدوية في الظل. قبل أسبوع، وصلتني شحنة أدوية كانت موضوعة على شاحنة تحت أشعة الشمس، فرفضتها".