أطفال متوحّدون بلا تعليم في تركيا

07 يونيو 2017
يتعلّم الرسم في مركز خاص بالأطفال المتوحّدين (الأناضول)
+ الخط -
أولت الحكومة التركية في السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً لقطاع التعليم، وراحت تتوسّع في بناء المدارس والجامعات وسكن الطلبة. أمّا قطاع تعليم ذوي الإعاقة وتحديداً المصابين بالتوحّد، فما زال يعاني من قصور كبير على كل المستويات، سواء في عدد المدارس أو الفصول أو حتى في عدد المدرّسين المختصين، في حين لم تُفعّل بعد خطة وزارة العائلة والسياسات الاجتماعية المتعلقة بتقديم الخدمات لهؤلاء الذي يعانون من التوحّد، والتي أُعلن عنها قبل أربعة أعوام.

تفيد جمعية "توهوم" التي تُعنى بشؤون التوحّد بأنّ تركيا تضمّ نحو مليون ومئتي ألف شخص يعاني من التوحّد، من بينهم 352 ألفاً لم يتجاوزوا الثامنة عشرة من عمرهم لا يتلقّى التعليم منهم إلا 29 ألفاً. وهو ما يعني أنّ أكثر من 90 في المائة من الذين يعانون من التوحّد لا يحظون بفرصة تعليم حتى في المدن الكبرى في البلاد.

محمد من ولاية عنتاب، يبلغ من العمر 10 أعوام ويعاني من التوحّد. تقول والدته أمينة إنّه على الرغم من جهودها الحثيثة على مدى أربعة أعوام لتُلحقه بالمدرسة، إلا أنّها فشلت. وتخبر أنّه "لم يبقَ مسؤول إلا وقصدته أو باب إلا وطرقته. عندما بلغ محمد سنّ التعليم الابتدائي، تمكّنا من تسجيله في إحدى المدارس حيث يتابع طفل معوّق آخر دراسته. لكنّ الأهالي اعترضوا على الأمر، فرفضته المدرسة. وبعد جهد، وجدنا مدرسة تستقبل الأطفال المتوحّدين تأسست حديثاً. أردنا تسجيل محمد، فقيل لنا إنّ لا مقاعد متوفّرة. إذ كان الصف يضمّ أربعة تلاميذ يعانون من التوحّد". تضيف: "لم أتوقف عن المحاولة، وقد تقدّمت بشكوى إلى مركز الاتصال التابع لرئاسة الوزراء ومن ثم توجّهت إلى وزارة التعليم لتقييد طلب بفتح صف جديد في المدرسة. لكنّ شيئاً لم يتغيّر، وأبلغني أحد المسؤولين في الوزارة أنّ من غير الممكن فتح صفّ جديد كلّما تقدّم أحد بطلب. لذ اضطررنا إلى الانتقال للعيش في مدينة إزمير لتأمين مدرسة".

من جهتها، تشكو فاطمة وهي والدة سيرين البالغة من العمر 11 عاماً والتي تعاني من التوحّد، من قلة الدعم الذي تقدّمه الحكومة لتعليم الأطفال المتوحّدين. تقول إنّ "الدولة تتكفّل بتعليم المتوحّد لثماني ساعات في الشهر، وهذا قليل جداً". تضيف أنّ "هؤلاء الأطفال في حاجة إلى تعليم مكثّف ومن دون انقطاع، وأنا لا أملك القدرة المادية على دفع أيّ تكاليف إضافية لتعليم سيرين، لا سيّما أنّ لدّي طفلين آخرين في حاجة إلى عناية ومصاريف".

في السياق، يؤكد علي، وهو اختصاصي في التعليم الخاص، أنّ "الأطفال المتوحدين لا بدّ من أن يتلقّوا 20 ساعة من التعليم على أقلّ تقدير. وحتى يتطوّروا بصورة أفضل، يجب أن تصل ساعات التعليم إلى أربعين. وهذا أمر يُحدّد بحسب شدّة التوحّد وتجاوب الطفل". ويعترض علي على "ارتفاع تكلفة مراكز التعليم الخاص وإعادة التأهيل، إذ تراوح تكلفة الساعة الواحدة ما بين 150 و250 ليرة تركية (43 - 71 دولاراً أميركياً)، بالتالي لا تقلّ تكلفة 40 ساعة تعليم عن ثلاثة آلاف ليرة (أكثر من 840 دولاراً)، أي نحو ضعفَي الحدّ الأدنى للأجور".



لا تتوقّف مشكلة تعليم المتوحّدين على توفّر المدارس أو الدعم المالي، إذ يُسجَّل نقص كبير في عدد المدرّسين المختصين. ففي عموم تركيا لا نجد إلا 11 ألفاً و595 مدرساً مختصاً في تعليم الأطفال ذوي الإعاقة، وكثيرون منهم لم يتلقوا تعليماً جامعياً خاصاً في هذا المجال. وبحسب ما تفيد جمعية مدرّسي ذوي الإعاقة، فإنّ البلاد تحتاج إلى 11 ألف مدرّس آخر على أقلّ تقدير، في حين لا تخرّج الجامعات التركية إلا 1300 مدرّس مختصّ في مجال التعليم الخاص.

تونا صغير تركيّ آخر يعاني من التوحّد ويبلغ من العمر سبعة أعوام. تخبر والدته سلمى أنّها تمكنت بعد جهد جهيد من إقناع إحدى المدارس بفتح صفّ لتعليم الأطفال المتوحّدين، لكنّ إدارة المدرسة لم تتمكّن من العثور على مدرّس. وتقول سلمى: "حصلت على تقرير لتعليم تونا من مديرية التعليم في ولاية بارتن، ثم قصدت الابتدائية لألحقه بها. بعد نقاش طويل، تمكّنت من إقناع المدير بفتح صفّ، وبالفعل حصل ذلك. لكنّ تونا لم يذهب إلى المدرسة قبل نهاية يناير/ كانون الثاني، إذ كنّا في انتظار المدرّس المعيّن. لكنّنا اكتشفنا في وقت لاحق أنّه غير مختص في تعليم ذوي الإعاقة". تضيف أنّه "بعد هذا العناء، توجّهنا إلى مركز خاص للتعليم وإعادة التأهيل. وراح تونا يحصل على 31 ساعة في الأسبوع، لا تساندنا الدولة إلا بساعَتين منها". وتشير إلى أنّ "زوجي موظف في الدولة ولولا مساعدة الأهل لما تمكنّا من دفع مصاريف تعليم تونا التي تصل شهرياً إلى 2500 ليرة (أكثر من 700 دولار)".

لكنّ المشاكل لا تتوقّف عند هذا الحدّ، إذ تشير مطيعة والدة رشا البالغة من العمر 11 عاماً إلى أنّ "الحصول على تقرير الإعاقة لتلقي مساعدة الدولة بالغ الصعوبة". وتقول: "كنّا نقيم في حلب، وبعد أربعة أعوام في المحاكم تمكنّا من استرجاع الجنسية التركية، أملاً في الحصول على مساعدة لتعليم رشا. لكنّ الأمور بدت أكثر تعقيداً". وتشرح أنّ "رشا انقطعت عن التعليم بسبب الحرب قبل خمسة أعوام، وقد مضت ستّة أشهر ونحن نحاول الحصول على تقرير طبي يثبت إصابتها بالتوحّد، من دون جدوى". تضيف أنّ "جهلنا اللغة التركية يمثّل كذلك عائقاً أمام استكمال رشا تعليمها".

دلالات
المساهمون