لأطفال مخيمات العراق حكاياتهم

24 يونيو 2017
يعترض الأطفال طريق الكاميرا (العربي الجديد)
+ الخط -
عادة ما يحتكر النازحون الكبار، نساء ورجالاً، الكلام حول أوضاع النزوح، ويتركون الصغار مادة للصور التي تنقل وجوههم ولا تستمع إليهم. أطفال مخيم خازر العراقي فتحوا قلوبهم هذه المرة في حديثهم إلى "العربي الجديد"

يهرول الأطفال في مخيمات النزوح في العراق خلف كاميرات الصحافيين، كلما تنبهوا لهم من بعيد وهم يتجولون بين الخيام لنقل مأساة سكانها إلى العالم. يعترض الأطفال طريق الكاميرا وفي بالهم أنّ هناك من سيراهم ويهتم لأمرهم ويتحرك لإنهاء معاناتهم. قصص من هذا النوع يعيشها الأطفال داخل المخيمات لعلّ أخطر منها ما عايشوه في رحلة النزوح الطويلة.

يصطف الأطفال أمام عدسات الصحافيين كما كانوا يصطفون في مدارسهم التي غادروها مجبرين بسبب الحرب، وهم يتذكرون الطابور الصباحي كلّ يوم قبل بدء يومهم الدراسي المعتاد. هم خسروا مدارسهم التي يقولون إنهم اشتاقوا لها كثيراً.

المدرسة تحولت إلى خيمة. فهناك خيمة للدراسة، وأخرى لقابلة مأذونة خرجت بمساعدتها تسع أرواح إلى الحياة، حتى الآن، في شهر واحد، وخيمة ثالثة سجن للمراهقين والأطفال المتنمرين، ورابعة للصلاة.

الحياة في مخيم خازر بالقرب من الموصل تكاد تكون مع مرور عام كامل عليها منظمة، وهناك تفاهم بين الأهالي بالرغم من الأطياف المختلفة للسكان المسلمين والمسيحيين، والعرب والأكراد.

الأطفال هم الأكثر صراحة في هذا المخيم ويتحدثون بلا خوف أو خجل. يقول حسن حميد المصلاوي (12 عاماً): "كلما شاهدنا الصحافيين يتجولون بين الخيام لنقل مأساتنا نشعر أنّ العالم كله يرانا عبر كاميراتهم ونشعر أنّ أبواب السيارات ستفتح ليقولوا لنا: هيا إلى منازلكم... انتهت الحرب".

يضيف المصلاوي لـ"العربي الجديد": "اشتقت إلى كلّ شيء في مدينتي... اشتقت لأصدقائي في الحي الذي كنا نسكن فيه وزملائي في المدرسة التي دمرت بسبب الحرب، واشتقت إلى بيتنا، ولا أدري هل سنعود يوماً أم لا".

الحديث مع الأطفال يأخذ جانباً عفوياً فهم يعبّرون عمّا في نفوسهم بكلمات بسيطة وأحياناً بجمل متراكمة تحمل في طياتها ألماً وحسرة على ما فقدوه في مدنهم المنكوبة، لكنّها لا تخلو من بصيص أمل. يحاول بارق علي (13 عاماً) أن يقول لنا شيئاً من بين عشرات الأطفال في المخيم مبيناً أنّه "عندما يأتي الصحافيون إلى هنا ويصوروننا نشعر أننا بتنا قصة غريبة. أكثر ما يحزنني أنّهم ينظرون إلينا كفقراء أو مساكين".


يضيف: "لا أريد أن تظهر أمي أمامهم بثيابها الممزقة. قلت لها: ادخلي، فضحكت على ما قلت وردّت: تبارك الله صاير رجّال يا بارق، تغار على أمك". يتابع: "العودة إلى مدينتنا كلّ ما نريد ونتمنى". ويقول: "لا نعرف من بقي من أصدقائنا على قيد الحياة، أما هنا في المخيم فنقضي وقتنا باللعب قليلاً، لكنّ الحر الشديد والجوع والمصير المجهول يجعلنا نشعر بالألم. أحياناً نقضي الوقت ببعض دروس القراءة والكتابة مع أصدقائنا في المخيم، فكثير منا فقد دراسته منذ عامين بسبب الحرب". وقبل أن يغادر يقول بارق صراحة: "أنتم الصحافيون تستفزونني كما تستفزون الآخرين إذ تعتبروننا شيئاً لعملكم فقط ولسنا بشراً مثلكم".

أطفال كثر فقدوا الوالدين أو أحدهما في الحرب، أو أفراداً من أسرهم أمام أعينهم. باتوا أيتاماً، وبعضهم فقد أسرته بالكامل. أصيب كثيرون منهم بصدمات نفسية شديدة لكنّهم بالرغم من ذلك يحاولون التأقلم مع وضعهم المأساوي باللعب مع أقرانهم في وقت لا تفارق وجوههم ملامح الحزن. عمر جمال (15 عاماً) خرج للتو من عقاب في سجن المخيم بسبب "جريمة" ارتكبها. السجن إجراء أسسه النازحون في ما بينهم كوسيلة تأديب للمراهقين، ومحاولة لضبط إيقاع المشاكل اليومية فيه. يقول جمال: "اعتقلوني لأنّي شتمت مسؤولاً سياسياً جاء إلى هنا، الأسبوع الماضي، ووزع فاصولياء مقابل ألف صورة التقطها مع أهل المخيم. هذه قذارة لم أحتملها، فقلت له: أنت حرامي يا وجه البابوج (الحذاء)".

الناشط المدني عادل الجبوري يوضح أنّ "الأطفال النازحين في المخيمات مروا بظروف نفسية خطيرة وشاهدوا أهوالاً في هذه الحرب المدمرة، وبعضهم فقد أسرته بالكامل. نحاول كناشطين أن نخرجهم من عزلتهم النفسية مستعينين ببعض المختصين في مجال الأسرة والطفل". يشير الجبوري لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "أكثر المتضررين من هذه الحرب هم الأطفال الذين فقدوا تعليمهم، وغادروا ملاعبهم وأصدقاءهم، بل فقدوا الوالدين أو الأسر بكاملها ما يجعلهم يمرون بصدمة نفسية شديدة للغاية، وبالرغم من ذلك نجدهم يمرحون ويلعبون ولو مع حزن يغطي وجوههم".

تعرض الأطفال لكثير من الأذى في مناطقهم قبل النزوح تحت وطأة القنابل والصواريخ وأصوات المعارك والرصاص، ثم في رحلة نزوحهم المريرة حيث قتل عشرات الأطفال. وقد كشف تقرير أصدرته الأمم المتحدة أنّ نسبة الأطفال من بين نازحي الموصل تشكل 55 في المائة.