يمنيون محرومون من غاز الطهو في رمضان

15 يونيو 2017
اضطرت أسر كثيرة إلى ترشيد استخدام الغاز (العربي الجديد)
+ الخط -

تتوالى النكبات تباعاً فوق رؤوس الفقراء في اليمن، ليس آخرها تضاعف أسعار مادة غاز الطبخ المنزلي مع وصولها في شهر رمضان إلى ثلاثة أضعاف السعر الرسمي، في وقت ما يزال أرباب الأسر بلا رواتب منذ ثمانية أشهر.

وتتعاظم أزمة الأسر بازدياد الحاجة لمادة الغاز في شهر رمضان، نظراً لتعدد أطباق وجبة الإفطار واحتياجات الأطفال للوجبات الثلاث. تؤكد ربة البيت، سماح قائد، لـ"العربي الجديد" بأن الطبخ يزيد في شهر رمضان لحاجة أطفالها الثلاثة لوجباتهم المعتادة "كما أظلّ أطهو طوال فترة العصر وجبة الإفطار للأسرة"، لافتةً إلى أن أكثر ما يستهلك مادة الغاز هو استخدامها للفرن.

هذا الأمر جعل أسرة قائد تستعد لرمضان بتعبئة أربع قوارير للغاز، تكلّفت الأسرة مبلغ 16 ألف ريال (50 دولاراً) ما يتجاوز بقليل نصف راتب شهري لرب الأسرة. تضيف: "بسبب ارتفاع سعر مادة الغاز اضطرت الأسرة إلى ترشيد استخدام الغاز كثيراً، واستهلاك الأطباق سريعة التحضير والابتعاد عن اللحوم تماماً. كما أصبحنا نتناول بعض الأطباق دون تسخينها".

في شمال مدينة صنعاء، كرّس علي العمراني وقته خلال الأيام التي سبقت شهر رمضان في البحث عن ورق الكرتون وما يمكن أن يجده من مخلّفات الأخشاب وأغصان الأشجار الجافة لتستخدمها زوجتة كوقود لفرن محلي الصنع. وتستخدم الزوجة هذا الفرن لطهو كافة الوجبات، بالإضافة إلى الخبز.

يشير العمراني إلى أنه "وبسبب نفاد كافة مدخرات الأسرة وبيعي لبعض أصولها بسبب تسريحي من القطاع الخاص منذ عامين، قررت التخلّي تماماً عن البوتغاز والغاز، وعدنا للفرن الطيني نطبخ فيه كل شيء، بما تبقى من مال ننفقه على الغذاء الذي قلّت كميته وساءت جودته". ويلفت إلى أن أطفاله يشكون من تغيّر طعم بعض الأطباق التي اختلطت بطعم الدخان بسبب استخدام الأوراق كوقود، لافتاً إلى تنافس أسر كثيرة على تجميع هذه الأوراق لا سيما بعد الارتفاع المفاجئ والمخيف لأسعار الغاز مؤخراً.




وطاولت أضرار ارتفاع أسعار الغاز قطاعات غذائية، ما ساهم في ارتفاع أسعار الدجاج، بسبب حاجة أصحاب المزارع إلى الغاز لتدفئتها. كما ارتفعت أسعار وجبات المطاعم ليواجه المواطنون تلك التداعيات بالامتناع عن الشراء أو شراء كميات محدودة بما يتناسب مع أوضاعهم الاقتصادية.

ولشحّ الوقود البديل، من ورق وأخشاب، تضطر الأسر إلى استبدال سلوكها الصحي بسلوك ضارّ قد لا يقي أفرادها من مخاطر الكوليرا الذي انتشر بشكل واسع في عدة محافظات يمنية. تضطر أسرة العمراني إلى التخلي عن تسخين مياه الشرب والاكتفاء باللجوء إلى تصفية الماء بالقماش.

إلى ذلك، أثّر ارتفاع ثمن الغاز على حياة سائقي حافلات النقل الصغيرة والمتوسطة التي تستخدمه بمعظمها. يقول سائق إحدى الحافلات محمد ناجي: "توقفتُ مؤخراً عن العمل إذ لم يعد العمل على هذه الباصات مجدياً بعد ارتفاع أسعار الغاز". يشرح: "في الفترة السابقة، اضطررنا إلى تخفيض تعرفة الراكب بنسبة خمسين في المائة، بسبب توقف الأعمال وتوقف صرف الرواتب لعدة أشهر، لينخفض مدخولنا اليومي بمقدار النصف. ارتفاع أسعار الغاز، جعلنا نضاعف من نفقاتنا ما جعل هامش الربح معدوماً، هذا إن لم نتعرض للخسارة بسبب حاجة الحافلات للزيوت والصيانة وغير ذلك".

في السياق، يشير الباحث التنموي محمد الماوري، إلى أن "ارتفاع أسعار الغاز يعتبر مساساً بأهم احتياجات الفقراء ممن لا يستغنون عنه في أغراض حيوية متعددة في حياتهم". يتابع: "إذا استمر ارتفاع أسعار الغاز فسيكون سبباً جديداً ومهماً في التكيّف الضار للسلوك الغذائي عبر تقليل كميات استهلاك الغذاء، ما يرفع أعداد الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي ويعاني أطفالها ونساؤها المرضعات والحوامل من سوء التغذية".

ويؤكد الماوري بأن الحرب الدائرة في عدة جبهات في اليمن، أصبحت تصدّر للمدنيين موجات متسلسلة وقوية من انعكاساتها التي تعمل على إضعاف قدرتهم على تحمل آثارها. ويشير إلى ارتباط انعدام الخدمات والسلع في التأثير بخدمات وسلع أخرى، مثل علاقة غاز الطبخ بالوقاية من مرض الكوليرا عبر تسخين مياه الشرب، أو في التأثير على نشاط النقل العام مما يعمل على ضمّ أفراد عاملين إلى رصيف البطالة وبالتالي يصبح تصنيف أسرهم ضمن الأسر منعدمة الأمن غذائياً".

تجدر الإشارة إلى أن هذه الأزمة الجديدة تأتي في الوقت الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة بأن الحرب الدائرة في اليمن جعلت البلد يعاني من أكير أزمة غذائية في العالم تطاول 14 مليون شخص من إجمالي 28 مليون هم عدد سكانه.