أشهر عدّة مرّت مذ أُعلِنت التسعيرة الجديدة للدواء في مصر، إلا أنّ السوق المصرية ما زالت تعاني من نقص شديد في عدد كبير من الأدوية المهمّة. وتتفاقم المشكلة بحسب ما تؤكّد تقارير طبية عدّة، مشيرة إلى أنّ نقص الأدوية في الصيدليات يطاول أكثر من 800 نوع في حين نفد مخزون 200 نوع آخر. والأدوية التي تعاني من النقص هي عقاقير خاصة لمرض السكري ولـارتفاع ضغط الدم وللجلطات وأمراض الكبد، بالإضافة إلى قطرات خاصة للعيون. كذلك تشمل تلك الأدوية علاجات للنساء الحوامل، الأمر الذي أدّى إلى إصابة عدد كبير من الأطفال حديثي الولادة بأمراض مختلفة، بحسب ما أكد متخصصون في طب الأطفال. إلى ذلك لا نجد علاجات أمراض القلب والكلى وتلك المخصصة للأمراض السرطانية.
يرى مراقبون أنّ الدواء اختفى من الأسواق بفعل فاعل في ظل غياب الرقابة واستمرار شركات الأدوية بتعطيش السوق لرفع أسعار الأدوية، واستمرار سعر الدولار بالارتفاع أمام الجنيه المصري. من جهتها، ترى شركات الأدوية أنّ رفع الأسعار هو الحلّ الوحيد بسبب غلاء المواد الفعالة للأدوية التي تُستورد من الخارج بأرقام فلكية، وذلك نتيجة الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه المصري غير المسبوق أمام العملة الأجنبية. بالتالي، تصبح بعض الأدوية الضرورية بعيدة عن متناول مرضى من ذوي الحالات الحرجة، ويسوء الوضع أكثر بالنسبة إلى الطبقتين المتوسطة والفقيرة.
ومع ارتفاع تكلفة المعيشة في البلاد على خلفية ضعف العملة المحلية، يأتي نقص الدواء ليضيف بُعداً جديداً للتوتر. وتُسجّل مناشدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبيل "فيسبوك" و"تويتر" تطالب بالتدخل للعثور على أدوية يصعب الحصول عليها، منها استغاثة أب يبحث عن مضاد حيوي لطفله الوحيد. وثمّة أشخاص أشاروا إلى أنّهم مرضى سرطان، وآخرون قالوا إنّهم شباب يبحثون عن حقن أنسولين لذويهم، فيما راح مصريون يعانون من فشل كلوي يطالبون بسرعة التدخل لإنقاذ حياتهم بسبب نقص محاليل وأدوية خاصة. من جهة أخرى، عرض بعضهم أدوية من دون مقابل متوفّرة لديهم ولم يعودوا في حاجة إليها لسبب من الأسباب.
إلى ذلك، حذّرت مستشفيات حكومية عدّة من خطر نقص المحاليل الخاصة لعلاج الفشل الكلوي، الأمر الذي دفع عدداً من المرضى إلى شراء تلك المحاليل على حسابهم الخاص، على الرغم من أنّهم فقراء وفي حاجة إلى من يعطف عليهم. يُذكر أنّ ثمّة مستشفيات فتحت باب التبرّع أمام القادرين لتأمين علاجات مرضى الفشل الكلوي.
وفي سياق متصل، تقول المتخصصة في طبّ الأطفال الدكتورة منى الغمراوي إنّ "عيادات أطباء الأطفال أصبحت مكتظة بحديثي الولادة، إمّا بسبب نقص في الوزن أو التشوهات التي كثرت خلال الأشهر الماضية". وتوضح أنّ ذلك يأتي "نتيجة نقص عدد كبير من الأدوية التي يصفها الأطباء للنساء الحوامل ولجوء بعضهم إلى الأدوية المستوردة أو الأعشاب الطبية". وتشدّد الغمراوي على أنّ "نقص الدواء يعدّ كارثة طبية كبيرة ويهدد حياة الجميع بالموت. فالنقص اليوم يشمل مستلزمات أساسية مثل المضادات الحيوية والفيتامينات".
ويعيد نواب لجنة الشؤون الصحية في البرلمان المصري استمرار الأزمة إلى قرارات وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين. ويقول عضو اللجنة الدكتور خالد هلالي إنّ "الأزمة مستمرة في السوق المصرية في القطاعَين الحكومي والخاص نتيجة تخبّط قرارات الوزارة وعدم وجود رقابة حكومية على شركات تصنيع الدواء". ويوضح أنّ "المستشفيات الحكومية تعاني من نقص هائل في المحاليل والأدوية اللازمة للعمليات الجراحية الطارئة وأدوية الأورام وغيرها، بالإضافة إلى استمرار مسلسل نقص أدوية الأمراض المزمنة في الصيدليات". ويشدّد هلالي على أنّ "لجنة الشؤون الصحية حذّرت في أكثر من مرّة من استمرار الأزمة وتفاقمها، كذلك اعترضت كثيراً على قرار رفع الأسعار الذي أتى من دون دراسة في ظلّ استسهال في اتخاذ القرارات". ولفت إلى أنّ "صراخ المواطنين مستمر على عتبات الصيدليات بحثاً عن الأدوية ولا مجيب".
من جهته، يقول صيدلاني فضّل عدم الكشف عن هويته، إنّ "أكثر إجابة يردّ بها الصيدلاني على المرضى يومياً هي: مفيش هذا النوع من الدواء". ويوضح أنّ 30 في المائة من الأدوية فقط متوفّرة في الصيدليات. ومع الوقت سوف تصبح نسبة الدواء صفراً". ويعيد سبب النقص إلى "تراجع قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية خصوصاً الدولار، إذ ترفض شركات الأدوية استيراد أو توزيع أدوية بالسعر الحالي". ويشدّد الصيدلاني نفسه على أنّه في مثل هذه الأزمات "يجب إقالة وزير الصحة. لكنّ هذا لا يجري إلا في البلدان التي تشعر بقيمة المواطن. ففي مصر، لا قيمة للمواطن في الوقت الحالي ويُداس عليه بالأقدام من قبل حكومته الموقرة". ويتابع أنّ "مرضى كثيرين يلجؤون في الوقت الحالي إلى العطارين لشراء الأعشاب بهدف التداوي، على الرغم من خطورة بعضها على الصحة العامة". ويؤكد أنّ "مافيات شركات الأدوية هي التي تتسبب في النقص. فهي ترفع الأسعار ليحدث النقص في كل الصيدليات فتستجيب الوزارة لمطالبها. أمّا الضحية فالمواطن الفقير".