المهاجرون غير الشرعيين ينعشون أميركا

06 مايو 2017
اثنان من 11 مليون مهاجر غير شرعي (ساندي هافيكر/Getty)
+ الخط -

مليارات الدولارات الأميركية يسدّدها المهاجرون غير الشرعيين كضرائب في الولايات المتحدة الأميركية، فتنعش الخزينة.

يسود الاعتقاد بأنّ المهاجرين غير الشرعيين أو المهاجرين الذي لا يملكون أوراقاً ثبوتية رسمية بحسب التسمية التي تفضلها منظمات حقوقية وإنسانية أميركية، لا يسددون الضرائب لصالح خزينة الدولة الأميركية ويعيشون على حساب مسددي الضرائب الآخرين. لكنّ هذا اعتقاد خاطئ.

ويصل عدد هؤلاء المهاجرين في الولايات المتحدة الأميركية، بحسب تقديرات مختلفة، إلى نحو 11 مليون شخص. أمّا حجم الضرائب التي سدّدها المهاجرون الذين لا يملكون أوراقاً رسمية خلال عام 2016، فتقدّر بنحو 11.74 مليار دولار أميركي، بحسب دراسة صادرة عن منظمة الأبحاث الأميركية "آي تي إي بي" (مؤسسة الضرائب والسياسات الاقتصادية). يُذكر أنّ المنظمة غير حكومية وغير ربحية، تتخذ من واشنطن مقراً لها وتعمل منذ عشرات السنوات على إصدار البحوث والدراسات حول السياسات الاقتصادية والضريبية في الولايات المتحدة. ولا شك في أنّ الأمر مستغرب، خصوصاً أنّهم لا يعملون من دون تراخيص عمل ولا يحملون أرقاماً وطنية كما حال كل أميركي أو مهاجر غير أميركي يعمل بطريقة قانونية في هذه البلاد. والرقم الوطني والمعروف باسم "رقم الضمان الاجتماعي" ضروري ليس فقط لتقديم ملفات الضرائب وتسديدها، بل للحصول كذلك على عائدات أو تخفيضات لتلك الضرائب.

لا بدّ من توضيح أمور عدّة متعلقة بالضرائب الأميركية على دخل الفرد أو العائلة. ثمّة ثلاثة أنواع من ضرائب الدخل: الضرائب الفدرالية أي ضرائب الحكومة في واشنطن، وضرائب حكومة الولاية، وضرائب الدخل التي يسددها الفرد كذلك للمدينة أو البلدة حيث يسكن. ولكلّ واحدة من تلك المؤسسات حصتها ونسبتها في الدخل، فيما تختلف ضرائب الولايات والمدن بسبب القانون الفدرالي في الولايات المتحدة واستقلال الولايات والمدن واختلاف صلاحياتها. وقد يستهجن البعض انشغال الأميركيين في قضايا الضرائب خلال الانتخابات الأميركية والدور المهم الذي تؤدّيه، لكنّ تعقيد نظام الضرائب ونسبها العالية في بعض المناطق يفسّر جزءاً من هذا الانشغال.

لكن، كيف ولماذا يسدّد المهاجرون الذين لا يحملون أوراقاً رسمية الضرائب؟ يقول خالد وهو شاب يمني يعيش ويعمل بطريقة غير قانونية في أحد محلات البقالة في منطقة بروكلين في مدينة نيويورك لـ "العربي الجديد"، إنّه "قبل ست سنوات نصحني محام لبناني يسكن بالقرب من البقالة، أن أسدد الضرائب كي أثبت أنّني عشت وقمت بالتزاماتي في الولايات المتحدة، بما فيها الضرائب من دون أن أملك أيّ سجل إجرامي، وذلك في حال مثلت أمام المحكمة يوماً ما بغرض الحصول على إقامة شرعية". وهذا واحد من الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى تسديد الضرائب والتي لا تصبّ فقط في مصلحة المهاجر بلا أوراق بل في مصلحة الدولة. فالحكومة الأميركية نظمت الأمر بطريقة تمكّن المهاجرين غير القانونيين من تسديد ضريبة الدخل، حتى الآن، من دون أن يهدّد ذلك وضعهم.




وكيف يمكن ذلك؟ يقوم مكتب الضرائب أو كما يطلق عليه رسمياً اسم دائرة الإيرادات الداخلية (آي آر إس) بإصدار رقم ضريبي لمسدد الضرائب من دون شرط حمله رقماً وطنياً، وهو الرقم الذي يعني أنّ الشخص أميركي أو يملك إقامة وترخيص عمل قانونيَين في الولايات المتحدة. هكذا تتمكن مصلحة الضرائب التابعة لوزارة الخزانة (المالية) من جني ضرائب الدخل مع التعهد بعدم تحويل تلك الأسماء، أي تلك التي لا تحمل رقماً وطنياً إلى دائرة الهجرة.

مع انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب واتخاذه سياسات تصعيدية ضدّ الهجرة، ولا سيما غير القانونية، يتوقع بعض الخبراء أن ينحسر ذلك في ظلّ خوف من أن تحصل وزارة الهجرة على تلك المعلومات بطريقة ما من وزارة الخزانة. لكنّ الأمر ليس بتلك السهولة، حتى لو كانت تلك المخاوف بمحلها. فاستقلال المؤسسات الأميركية المختلفة والوزارات عن بعضها بعضاً يمثّل سداً أمام الإجراءات التعسفية التي قد تتخذها إدارة ترامب في هذا السياق. والأمر يتعلق بمدى قدرة المؤسسات كما الحكومات المختلفة ـ حكومات الولايات والمدن - على الاستمرار في الحفاظ على استقلاليتها.

ولعلّ أبرز مثال في سياق متصل أو مشابه وإن لم يكن متعلقاً بالضرائب، هو رفض الشرطة في مدن أميركية عدّة، مثل نيويورك وشيكاغو وغيرهما، التعاون مع شرطة الحكومة الفدرالية والقبض على مهاجرين بلا أوراق فيها وتسليمهم للحكومة الفدرالية. لكن ثمّة استثناءات تنصّ عليها قوانين تلك المدن والولايات التي تضمّها. وتشترط قوانين مدينة نيويورك على سبيل المثال، حدوث ذلك فقط في حال ارتكب مهاجر بلا أوراق جريمة. يُذكر أنّ الولايات المتحدة تشهد سجالاً فيما تُرفع قضايا من قبل جهات حكومية أميركية فدرالية ضد جهات حكومية في المدن المختلفة في هذا السياق.

يبقى أنّ تسديد المهاجرين بلا أوراق الضرائب وتمكّنهم من الحصول على رقم ضريبي على الرغم من عدم امتلاكهم رقماً وطنياً، أمر يسهّل حياتهم بطرق عديدة، ليس فقط في ما يخص الاحتمالات المستقبلية للبت في وضعهم القانوني المتعلق بالهجرة أمام قاضٍ، وإنّما في ما يخص أموراً يومية متعلقة بأولادهم وكذلك برفع مستوى معيشتهم. فالحصول على رقم ضريبي يساعد في تسجيل أولادهم في المدارس وكذلك في الحصول على قروض مصرفية وشراء عقارات، وكلّ هذا يصبّ في مصلحة الاقتصاد الأميركي.