بلجيكا تمضي في محاربة التمييز... بحذر

21 مايو 2017
هل الجميع محميّ بقانون مكافحة التمييز؟ (إيمانويل دونان/فرانس برس)
+ الخط -

يتزايد التمييز في العالم على صعد مختلفة، ليبدو الوضع أكثر قتامة. وفي حين نرى بعضهم وهو يشجّع التمييز بأنواعه، تبدو بلجيكا متقدّمة في قوانينها ضدّ العنصرية.


قبل عشر سنوات، اعتمدت بلجيكا ثلاثة تشريعات تهدف إلى حماية المواطنين من مختلف أنواع التمييز وهي: مكافحة العنصرية ومناهضة التمييز والقانون المتعلق بالانتماء الجنسي. وهذه التشريعات جعلت من بروكسل طليعة محاربة العنصرية في الاتحاد الأوروبي. وفي حين أصدر المركز الفدرالي لمحاربة العنصرية - مؤسسة رسمية - تقريراً تقييمياً معتدلاً وإن كان يدعو إلى تعديلات مهمة، أتى التقييم الرسمي من قبل لجنة من الخبراء المستقلين - الذي لم يصدر كاملاً بعد - ليحمل انتقادات عدّة في الذكرى العاشرة لصدور القانون.

ويُعد القانون البلجيكي واحداً من أفضل التشريعات الأوروبية في مجال مكافحة كل أنواع التمييز. ففي الوقت الذي تقول التوجيهات الأوروبية الرسمية بحدّ أدنى لأسباب التمييز يضمّ ستة معايير، أي الأصل أو الجنس أو السن أو الإعاقة أو المعتقدات الدينية والفلسفية والميول الجنسية، فإنّ التشريع البلجيكي ينصّ على 19 حالة. فهو يضيف حماية المواطنين الفقراء بسبب حالتهم الصحية على سبيل المثال، أو عدم امتلاكهم للثروة. ويوضح في السياق مدير المركز الفدرالي لمحاربة العنصرية، باتريك شاغلييه، لـ "العربي الجديد" أنّ "تطبيق القانون البلجيكي يخصّ حالات عدّة. بالإضافة إلى التمييز في العمل أو السكن، يشمل التشريع فصولاً حول السلع والخدمات وحماية الانتماء السياسي والنقابي والأصل الاجتماعي واللغة".

لكنّ التقرير التقييمي الأولي الذي تسهر على إعداده لجنة من الخبراء، يوجّه مجموعة من الانتقادات إلى تشريع عام 2007 إذ يرى أنّ شيئاً لم يتمّ بهدف تحقيق الطموحات التي يحملها. وجاء في التقرير أنّ "ثمّة فرقاً كبيراً بين قانون 2007، ونحن نشدّد على أنّه الأفضل في أوروبا، والوضع بعد مرور عشر سنوات عليه، إذ لم يُطبّق أيّ شيء تقريباً. كان ثمّة تقاعس من قبل الحكومة السابقة في تنفيذ الإجراءات المنصوص عليها في التشريع. فمجموعة من المراسيم الملكية المفترض إصدارها لتنفيذ بعض الأحكام القانونية المعينة على سبيل المثال، لم تُستصدر". وشدّد على أنّه "كان ينبغي بدء التقييم في وقت مبكر منذ عام 2012، في حين أنّه لم ينطلق إلا قبل ستة أشهر فقط. وهذا يعني عملياً أنّ قانون مكافحة التمييز لا يستطيع حماية كثيرين من الذين في حاجة إلى ذلك أو أنّه يحميهم وإنّما بطريقة غير كافية".

على سبيل المثال، ينصّ القانون على تنفيذ مجموعة من الإجراءات العملية للتأكد رسمياً من انتهاك شخص ما أو كيان ما لقانون مكافحة التمييز. لكنّ أيّ مرسوم ملكي لم يُعتمَد بشأن هذه النقطة لدخولها حيّز التنفيذ. كذلك ينصّ القانون على إنشاء مؤسسة رسمية لدعم ضحايا التمييز، ما زالت حبراً على ورق.

وممّا دفع لجنة الخبراء إلى طرح أسئلة كثيرة، هو وقف المتابعات بخصوص ثلاثة أرباع الشكاوى المرفوعة أمام المحاكم بسبب التمييز. ويُتّخذ هذا القرار في غالب الأحيان - 67 في المائة - لأسباب تقنية. وهذا يعني أساساً لعدم توفّر أدلة كافية. وإذا كان التقرير الأولي لا يقدّم بعد أيّ تفسير نهائي لهذا الأمر، فإنّه يرى أنّ هذا الملف يستحق مزيداً من البحث وإن كانت قراءة بعض الإجابات ممكنة بين سطور التقرير الأولي الذي يشير إلى "وجود سياسات مختلفة جداً وفقاً للمحاكم. فبعضها يعمل بجدية أكثر من غيره. على الرغم من ذلك، الملفات ضخمة وصعبة، خصوصاً وأنّه لا بدّ من إثبات التمييز أمام المحاكم الجنائية على خلاف المحاكم المدنية. وبالتالي، لا يوجد تفسير واحد".



وقدّم المركز الفدرالي لمحابة العنصرية في تقريره التقييمي، 27 توصية تحمل مجموعة من الأمثلة. ويستند التقييم فقط على الحالات التي عالجها المركز خلال السنوات العشر الأخيرة، وهي 17 ألفاً و202 حالة مقترحة و145 ملفاً أحيلت على المحاكم.

ومن التوصيات المقترحة توسيع قاعدة تطبيق المعيار المتعلق برفض التمييز على أساس الصحة، خصوصاً رفع المبالغ المقدمة في حال الضرر. ويشرح شاغلييه في السياق أنّ "رفض سكن لزوجين من متلقّي الإعانة الاجتماعية هو تمييز على أساس الثروة أو الأصل الاجتماعي، وهما معياران يحميهما القانون البلجيكي. لكنّ المبلغ المقطوع المخصص في هذه الحالة من التمييز يصل إلى 1300 يورو ولا يغطّي حتى المصاريف القانونية. وهو ما يدفع بكثيرين إلى تفادي الشروع في إجراءات رفع الشكاوى. لذا نطالب بحزم من الغرامة، في ما يتعلق بالتمييز في مجال الإسكان - على نمط التمييز في سوق العمل مثلاً - أي مبلغ يشمل أشهراً من الإيجار".

إلى ذلك، يشدّد المركز في توصياته على ضرورة تحديد صارم للجرائم التي يجب أن يعاقب عليها القانون. ويقول شاغلييه إنّه "في عام 2009، تعرضت شابة من أصل مغربي، مثلية الجنس، إلى تعذيب بطلب من والدَيها لإخراج الجنّ منها. وهو ما أدى إلى وفاتها. لكنّ المحكمة لم تقبل بتهمة مناهضة المثلية. لذا يقترح المركز توسيع قائمة الجرائم التي تسمح بفرض عقوبات أشدّ. فالتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والتهديدات وإساءة استخدام السلطة والابتزاز والسرقة، كلّها جرائم يجب أن ينصّ عليها القانون بطريقة واضحة. فالذين يُعدّون في موقف ضعف يمكن أن يتعرّضوا للسرقة أو التهديد بسبب ميولهم الجنسي".

يضاف إلى كلّ هذا نقص في التمويل. فالتقرير التقييمي الرسمي للتشريع البلجيكي لم يسلَّم بعد للبرلمان لعدم توفّر ميزانية كافية لترجمة التقرير إلى لغات البلد الرسمية. وبحسب مكتب كاتبة الدولة المكلفة ملفَ تكافؤ الفرص، إلك سلورز، التي طالبت بإنشاء اللجنة وإعداد التقرير، فإنّ اللمسات الأخيرة توضع عليه قبل أن ينشر في الأيام المقبلة.