استمعوا إلينا رجاء

14 مايو 2017
المطلوب إرساء الحقوق (سيم جينكو/ الأناضول)
+ الخط -
بصفتها من الأشخاص ذوي الإعاقة تروي أمال شريف تجربتها حول أهمية تطبيق الحقوق بدلاً من الاهتمام بالمظاهر لا غير. ورأي الأشخاص ذوي الإعاقة هو الأساس في قضيتهم هم بالذات

تطالعنا كلّ يوم تسميات جديدة لتوصيف الأشخاص ذوي الإعاقة. آخرها من الإمارات العربية المتحدة، إذ يبرز توصيف "ذوي الهمم". أكثر ما أزعجني في التسمية الجديدة سيطرة "السوبرمانية" عليها، فكأنّ المطلوب من الأشخاص ذوي الإعاقة أن يتحول الواحد منهم إلى "سوبرمان" أو "سوبروومان".

من جهتي، أنا التي لدي شلل أطفال، لا تعني لي الكثير هذه التوصيفات. لكن، عندما ننظر في العمق إلى تعريف الإعاقة الصادر عن منظمة الصحة العالمية يتبين أنّ "الإعاقة مصطلح يغطي العجز، والقيود على النشاط، ومقيدات المشاركة. والعجز مشكلة في وظيفة الجسم أو هيكله، والحد من النشاط هو الصعوبة التي تواجه الفرد في تنفيذ مهمة أو عمل، في حين أنّ تقييد المشاركة بمثّل المشكلة التي يعاني منها الفرد في المشاركة في مواقف الحياة، وبالتالي، فالإعاقة هي ظاهرة معقدة، تعكس التفاعل بين ملامح جسم الشخص وملامح المجتمع الذي يعيش فيه أو الذي تعيش فيه". وتعرّف أيضاً أنّها "حالة تحدّ من قدرة الفرد على القيام بوظيفة واحدة أو أكثر من الوظائف التي تعتبر أساسية في الحياة اليومية كالعناية بالذات أو ممارسة العلاقة الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية وذلك ضمن الحدود التي تعتبر طبيعية. أو هي عدم تمكن المرء من الحصول على الاكتفاء الذاتي وجعله في حاجة مستمرة إلى معونة الآخرين، وإلى تربية خاصة تساعده على التغلب على إعاقته".

ويعرَّف الشخص ذو الإعاقة في مصادر أخرى بأنّه "الشخص الذي انخفضت إمكانيات حصوله على عمل مناسب بدرجة كبيرة مما يحول دون احتفاظه به نتيجة لقصور بدني أو عقلي". كما يعرَّف الشخص ذو الإعاقة بأنّه "الشخص الذي يختلف عن المستوى الشائع في المجتمع في صفة أو قدرة شخصية سواء كانت ظاهرة كالشلل وبتر الأطراف وكف البصر أو غير ظاهرة مثل الإعاقة العقلية والصمم والإعاقات السلوكية والعاطفية بحيث يستوجب تعديلاً في المتطلبات التعليمية والتربوية والحياتية بشكل يتفق مع قدرات وإمكانات الشخص ذي الإعاقة مهما كانت محدودة ليكون بالإمكان تنمية تلك القدرات إلى أقصى حد ممكن".

بعد هذه التعريفات المطولة للإعاقة، أود طرح التساؤلات التي قد تعني الكثير لي ولآخرين من ذوي الإعاقة. لماذا يتوجب على الأشخاص ذوي الإعاقة تقديم بطولات يومية، وتحديات جمّة تفوق قدراتهم الجسدية وتضعهم في مواجهة نفسية مع قدراتهم، فيما لا يُطلب من أقرانهم "العاديين" أيّ إثباتات أو تحديات؟

للأشخاص ذوي الإعاقة الحق بحياة عادية مثل أيّ كان، بعيداً عن البطولات الوهمية والتحديات والمواجهات. الاقتناع بقدراتنا الجسدية/ العقلية المختلفة ليس عيباً ولا ينتقص من إنسانيتنا شيئاً. لماذا علينا تحمّل جمل تشجيعية قد تبدو لي ولكثر أنّها سطحية، فيما لا نسمع مثل هذه الجمل توجّه للأشخاص "العاديين".


أنا إنسانة لديّ الشجاعة والقناعة للاعتراف بقدراتي، لا يمكنني صعود السلالم، وليس بإمكاني الرقص، لا أقدر على السير مسافات طويلة، لا يمكنني السباحة على شاطئ عام، وغيرها من الأمور التي لا أقدر على إنجازها. لكن مهلاً، لستُ عالة على أحد ولا أحتاج إلى تحدّيات تستنفد قدراتي الجسدية يومياً فيما أتمتع بالكثير من الحيوية والإنتاجية. كنت متفوقة في دراستي، ونجحت في عملي وأثبتّ خلال سنوات عملي الطويلة أنّي كنت أفضل موظفة عملت في الشركات التي مررت فيها. فاقت إنتاجيتي في العمل زملائي. أملك الكثير من القدرات التي لا يمتلكها الأشخاص "العاديون".

لسنا في حاجة إلى تسميات تهبط علينا كلّ يوم من كلّ حدب وصوب. ما يحتاج له الأشخاص ذوو الإعاقة هو الاعتراف بقدراتهم، وتجهيز البنية التحتية اللازمة التي تؤمّن تحصيلهم العلمي وتوظيفهم وتعزّز استقلاليتهم في حياة كريمة ومنتجة بعيدة عن الشفقة والبطولات والتحديات.

المشكلة الأساس هي في البنية التحتية وتطبيق المعايير، المشكلة هي في عدم سماع رأي الشخص ذي الإعاقة وما يحتاج إليه. كم من مدن زرتها أو عملت فيها تشعرك لأول وهلة أنّها المدينة النموذجية للأشخاص ذوي الإعاقة، لكن عند التعمّق تظهر الثغرات والهفوات في تجهيزات البنية التحتية، لينكشف عدم تطبيق ما يحتاج له الشخص ذو الإعاقة لتأمين استقلاليته في قضاء حاجياته اليومية من دون الاستعانة بأحد. في إحدى الرحلات إلى إمارة دبي، دخلت إلى دورات المياه المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة في أحد المولات. صُعقت إذ اكتشفت أنّ علبة الصابون موجودة على ارتفاع 170 سنتيمتراً، وعلبة المناديل الورقية في الاتجاه المعاكس على الارتفاع نفسه، مع العلم أنّ مستخدم الكرسي المتحرك لن يتمكن من الوصول إليهما. كلّ فندق نزلت فيه في دبي والرياض والدوحة كانت مشكلة الاستحمام فيه قائمة، بالرغم من حرصي على حجز الغرفة المجهزة للأشخاص ذوي الإعاقة. فوجئت دائماً بأنّ المكان المخصص للجلوس تحت رشاش الماء مخيف ولا يستوفي الشروط. وبالتالي، كنت أجرّ كرسياً جلدياً من الغرفة وأضعه هناك كي أتمكن من الاستحمام. وفي إحدى المرات، وصلت إلى باب غرفتي في أحد فنادق الرياض وفوجئت بعتبة هناك ارتفاعها 25 سنتيمتراً، مع العلم أنّها غرفة للأشخاص ذوي الإعاقة. أي يتوجب على أحدهم مساعدتي للدخول والخروج من الغرفة.

ما نحتاج له أبعد من التسميات والقشور. نحتاج إلى الغوص في التفاصيل والتعمّق فيها والأهم هو الاستماع إلينا.