"خدّامات" يمنيات

29 ابريل 2017
في طريقها إلى منزل مخدوميها (العربي الجديد)
+ الخط -

رأت يمنيات كثيرات أنفسهنّ وقد فرضت الحرب عليهنّ الخدمة المنزلية كخيار لتأمين لقمة العيش في ظلّ أمر واقع قاسٍ، بعدما استنفدن كل أساليب التكيّف مع الأزمات الاقتصادية المتتالية وانقطاع الدخل بسبب الحرب الراهنة التي دخلت عامها الثالث.

في ما يُعدّه المراقبون وضعاً معيشياً غير مسبوق في تاريخ اليمن الحديث، توفّرت وظائف عدّة في الخدمة المنزلية في أبرز المدن اليمنية، بعدما طردت الحرب آلاف العاملات الأجنبيات في هذا المجال، لا سيما من الجنسيات الإثيوبية والفيليبينية والصومالية. وراحت اليمنيات يملأن ذلك الفراغ في منازل الأسر اليمنية الأيسر حالاً، لتشعل القضية جدالاً اجتماعياً واسع النطاق حول هذه المهنة التي تقبل عليها نساء البلد والمستهجنة مجتمعياً، وذلك لشدّة تحفظ اليمنيين على كل ما يتعلق بعمل النساء في محيط قد يضمّ رجالاً أو قد يمنح المرأة - وبالتالي أسرتها - لقب "خدامة" المزدرى مجتمعياً. لكنّ الناس بمعظمهم، راحوا يتفهّمون من تضطر إلى ذلك نظراً إلى صعوبة الوضع المعيشي الذي لم يعد يتيح أمامها إلا هذه المهنة أو التسوّل.

في صباح كل يوم، تتوجه أم خالد مع ابنتها إلى منزل جيرانهما لمشاركة ربة البيت هناك في أعمال التنظيف وغسل الملابس وتحضير وجبة الغداء قبل عودة زوجها وأبنائها الكبار من وظائفهم وجامعاتهم. تقول أم خالد: "كثيرون هم الجيران والأقارب الذين بدأوا يتفهمون اضطراري إلى العمل في الخدمة المنزلية، بعدما انقطع راتب زوجي لأكثر من سبعة أشهر". وإذ تشير إلى أنّها لا تهتم بمن ينتقدها، بما أنّ "العمل شرف ونحن لا نتقاضى شيئاً من دون مقابل"، تعبّر عن ألمها لما تعانيه صغيرتها نفسياً. "ثمّة زميلات لها في المدرسة يعايرنها بخدمتها هي وأمها في المنازل"، لكنّ أم خالد لم تنصت إلى نصائح من حولها وتصرّ على اصطحاب ابنتها إلى العمل، ولا سيما أنّها تراها نوعاً من الحماية لها.




وفي حين قد يقبل الرجل اليمني في ظل الظروف الاقتصادية السيئة على أن يعمل لدى جاره الثري في حراسة المنزل أو قيادة السيارة أو تنسيق الحديقة، إلا أنّ كثيرين يرفضون أن تعمل زوجاتهم في الخدمة المنازل تجنباً لتعرّض الناس لهنّ. محمد ضيف الله من هؤلاء، ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ زوجته كانت قد اقترحت عليه العمل في منزل تاجر متوسط الحال في مقابل الحصول يومياً على مواد غذائية من محله، "لكنّ الناس لن يرحموني لو وافقت على مقترح زوجتي لحل مشكلتنا، وإن تظاهروا بأنّهم يجهلون الأمر. هم يعدّون هذه المهنة نوعاً من الرقّ والمهانة، ولا يمكن للرجل المحافظ من وجهة نظرهم القبول بذلك". لذلك، لا يجد ضيف الله حلاً آخر للأزمة التي يعاني منها صغاره إلا الاستمرار وزوجته في البحث عن قناني مياه فارغة عند الفجر، بهدف بيعها بأثمان متواضعة لم تعد مجدية وسط الارتفاع الكبير لأسعار الغذاء والدواء. لكنّ ضيف الله يشدّد على أنّ "أحداً لا يموت من الجوع. وسوف نستمر في تناول الخبز مع الطماطم المسحوقة أو الزبادي إلى أن يفرجها الله من عنده". يُذكر أنّه يطلب من جيرانه مراراً، بعضاً من الزعتر لعلاج طفله الأصغر الذي تتكرر إصابته بنزلات برد.

إلى ذلك، تشكو أسر يمنية عدة لا سيما الثرية منها من عدم جودة عمل هؤلاء النساء، بسبب عدم تدربهنّ على أصوله بالمقارنة مع العاملات الأجنبيات. ويقول محمد وهو رب أسرة ميسورة، إنّ "اللواتي يعملنَ في هذه المهنة هنّ بمعظمهنّ فقيرات ويفعلنَ ذلك للمرة الأولى. وهنّ يمارسن عملهنّ بحسب ما تعلمنه من أمهاتهنّ وفي بيوتهنّ البسيطة، بالتالي لا يدركنَ كيفية التعامل مع أمور كثيرة لا سيما الأجهزة الكهربائية الحديثة، بالإضافة إلى كيفية الترتيب وأهمية تنسيق محتويات الغرف وما إلى ذلك. ويشير إلى أنهنّ "يكثرن الكلام مع زوجتي حول بعض خصوصيات الأسرة والأولاد، ليمضي الوقت من دون إنجاز مُرضٍ لمهامهنّ. أمّا الشغالات الأجنبيات فلم يكنّ يتحدثنَ بأي شيء خارج نطاق العمل".

في سياق متصل، يقول أحمد الدبعي وهو يعمل كمنسّق لتشغيل الأيدي العاملة المحلية، إنّ "يمنيات كثيرات يرغبن في هذا العمل. لكنهنّ وبهدف تجنّب نظرة الناس الدونية لهنّ، يطلبنَ فرص عمل في مناطق بعيدة عن مناطق إقامتهنّ. وبذلك، يتحملنَ عبء أجرة المواصلات". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "هؤلاء العاملات يفتقرنَ إلى المهارات التي تمتلكها العاملات الأجنبيات والتي يتدربنَ عليها في شركات تشغيل في دولهنّ قبل وصولهنّ إلى اليمن". ويتابع الدبعي أنّ "ثقافة اليمنيين ترفض عمل اليمنيات في المنازل، وهنّ لا يدركنَ أهمية التدريب من أجل إرضاء ربات المنازل. بالنسبة إليهنّ، المهارات التي اكتسبنها في منازلهنّ تكفي لأداء عملهنّ على أكمل وجه". من جهة أخرى، يوضح أنّ "اليمنيات لا يتقاضينَ الرواتب نفسها التي تتقاضاها الأجنبيات، بل نصفها على أبعد تقدير. وذلك نتيجة تزايد عددهنّ خلال هذه الأزمة وانخفاض جودة عملهنّ، وممارستهنّ العمل خلال ساعات محدودة صباحاً".

المساهمون