بدون الكويت... جنود في الجيش بشهادات عالية

21 ابريل 2017
القوات الكويتية في استعراض عسكري (ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -
فتحت الكويت باب التطوّع في الجيش لأبناء العسكريين من فئة المقيمين بصورة غير قانونية أو البدون. وما إن أعلنت رئاسة الأركان العامة في الجيش الكويتي عن ذلك في الأول من أبريل/ نيسان الجاري، حتى تخطّى عدد الطلبات 20 ألف طلب خلال ثلاثة أيام فقط. أمّا عدد المستوفين للشروط، فأكثر من ثمانية آلاف شخص بحسب تصريحات لوزارة الدفاع الكويتية، التي أشارت إلى أنّ التسجيل يستمرّ حتى أواخر الشهر الجاري.

ويأتي حجم إقبال أبناء البدون من فئة الشباب على الخدمة العسكرية لافتاً، في ظل عزوف كبير في أوساط المواطنين واستقالة المئات من أفراد الجيش الكويتي، الذين أكملوا تعليمهم واستطاعوا الحصول على وظائف أفضل خارج السلك العسكري. ويعود إقبال الآلاف من شباب البدون على الوظيفة العسكرية بسبب البطالة، خصوصاً بين خريجي الجامعات الخاصة أو الذين أكملوا دراستهم خارج البلاد على نفقتهم الخاصة. يُذكر أنّ أطباء وكوادر طبية من البدون يعملون في المستشفيات الحكومية والخاصة، لكنّ الحكومة ترفض تعيينهم الثابت وتضعهم تحت بند "أجر مقابل عمل"، وهو ما يحرمهم من امتيازات مالية عدّة يحصل عليها الأطباء والوافدون ويحرمهم كذلك من الأمان الوظيفي إذ يمكن تسريحهم في أي وقت كان. في السياق نفسه ، لا يحصل مهندسو المكيانيك والبترول من البدون على وظائف في الشركات النفطية الكويتية بسبب عدم استخراج تصاريح دخول لهم إلى المنشآت النفطية، من قبل وزارة الداخلية. فيتجه كثيرون منهم نحو وظائف في غير مجالهم في شركات خاصة.

الدكتور عبدالله الشمري طبيب من فئة البدون، أنهى دراسته الجامعية خلال سبع سنوات في مصر على نفقته الخاصة قبل أن يعود للعمل في الكويت. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه "على الرغم من شهادتي الطبية إلا أنّني تقدّمت بطلب التحاق بالجيش الكويتي كجندي، بعدما تأكدت من مطابقتي للشروط المطلوبة. وذلك بسبب الفروق الهائلة في سلم الرواتب بين وظيفتي كطبيب على بند التكليف في وزارة الصحة وبين وظيفة العسكري في الجيش الكويتي الذي يحصل على علاوات وامتيازات مالية كبيرة جداً. يُضاف إلى ذلك الأمان الوظيفي وفرصة إكمال الدراسة والتخصص أكثر فأكثر في المجال الطبي".

يتابع الشمري: "في عملي داخل المستشفى أحصل على مكافأة شهرية وليس على راتب محدد. وهذه المكافأة لا تتساوى مع رواتب الأطباء الآخرين من وافدين ومواطنين، وهي تتأخر. وهي لا تُصرف في وقت محدد شهرياً. كذلك، ليس لديّ راتب تقاعدي ولا مكافأة نهاية الخدمة، في حين أنّ بعض العلاوات ملغية من جدول مكافآتي. أمّا في الجيش، فالعلاوة الطبية وحدها تعادل 70 في المائة من راتبي كاملاً في المستشفى، بالإضافة إلى راتبي الأساسي كجندي. ومجموع رواتبي كجندي يصل إلى ضعفَي ما أتقاضاه كطبيب، إلى جانب المميزات المالية والمعنوية الأخرى كالسماح لأبنائي بالدخول إلى المدارس الحكومية والسماح لهم بالانتساب إلى جامعة الكويت والحصول على جواز السفر الخاص بالبدون بطريقة أسرع من أبناء الفئة الآخرين. تُضاف إلى ذلك كله برامج القروض الميسّرة التي تقدمها وزارة الدفاع للمنتسبين إليها".



من جهته، أحمد هلال مهندس كهرباء تخرّج من جامعة الكويت،  يقول لـ "العربي الجديد": "حصلت على نسبة كبيرة في الثانوية العامة وكنت من العشرة الأوائل على مستوى الدولة، الأمر الذي أهلني للحصول على استثناء من وزارة التربية والسماح لي بالانتظام والدراسة في جامعة الكويت وتحديداً في كلية الهندسة. وبعد تخرجي، فوجئت بأنّ الجهات الحكومية لا تقبل توظيفي كوني من فئة البدون وعليّ قيد أمني. وهذا القيد يضعه الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية ويمنع صاحبه من العمل في أيّ وظيفة حكومية. لذا اتجهت إلى العمل في شركة خاصة براتب ضئيل كفنيّ معلومات، وذلك في دوامَين صباحي ومسائي. أمّا انتسابي إلى الجيش فيعطيني فرصة للحصول على راتب أكبر، إذ إنّ راتبي كعسكري سوف يكون أربعة أضعاف راتبي الحالي". 

يضيف هلال: "أعلم أّنه من الغريب بالنسبة إلى الآخرين أن يتخلى المرء عن شهادته في الهندسة الكهربائية التي أمضى خمس سنوات وهو يتعب ويكدّ للحصول عليها، لكنّ الوظيفة العسكرية هي المخرج الوحيد لأبناء البدون من مأزق البطالة وقلة الرواتب والتهميش". ويشير إلى أنّ "صديقاً لي كان يحضّر لشهادة دكتوراه في الأدب الإنكليزي في مصر، لكنّه عاد إلى الكويت للانتساب إلى الجيش. وهو مصرّ على التخلي عن بحث الدكتوراه في حال قُبل كجندي في الجيش الكويتي".

تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة الكويتية كانت قد قرّرت قبل عامين لمواجهة وسد النقص الحاصل في صفوف الجيش الكويتي، فتح باب الترشيح أمام أبناء المواطنات الكويتيات من فئة البدون. لكنّ عدد المتقدّمين لم يكن كافياً لسدّ النقص آنذاك، الأمر الذي اضطرها إلى فتح باب التقدّم لأبناء العسكريين البدون، وهم يشكلون فئة البدون بأغلبها.

فهد ش. شاب من فئة البدون أمّا والدته فكويتية، وقد انضم إلى الجيش الكويتي عندما فتح باب الترشيح قبل سنتين. يخبر "العربي الجديد" أنّه "عندما فُتح باب القبول رفضت الدخول إلى الجيش، وقلت لوالدي إنّني أريد إكمال دراستي الجامعية والتخصص في القانون. الجميع اتهمني بالجنون آنذاك، إذ كيف يمكن لشاب أن يضيّع فرصة عمر كهذه. ففي الكويت، لا وظائف حقيقية ومريحة للبدون إلا بأن يكون جندياً في الجيش". يضيف أنّه "بعد أسبوعين من الرفض، أذعنت أخيراً لرغبة والدي الذي هددني بأنّه لن يكون راضياً عنّي إذا لم أنتظم في صفوف الجيش، لأنّني أضيّع فرصة حياتي. وبالفعل، بعد سنتين من العمل وتحسّن أوضاعي المالية، أجد أنّ والدي كان محقاً". ويشرح أنّ "العمل في الجيش أفضل من العمل في الشركات الخاصة أو الوزارات تحت بند المكافآت. هناك، أنت تبذل فيها جهداً مضاعفاً من دون أيّ فائدة تُذكر. أمّا في الجيش، فدوامات العمل مريحة بالإضافة إلى أوقات فراغ كثيرة داخل المعسكر، أستغلها في القراءة وتنمية مهاراتي الحياتية". يتابع أنّ "الراتب المرتفع قد يمكّن أبنائي مستقبلاً من عيش حياة أكثر رخاءً ورغداً من تلك التي عشناها كأطفال بدون".