كفاءات تونس تهجر البلاد بحثاً عن تقدير تستحقه

19 ابريل 2017
إلى متى يبقينَ في البلاد؟ (أمين الأندلسي/ الأناضول)
+ الخط -

كثيرون هم الشباب والشابات التونسيون المبدعون الذين يهجرون البلاد بحثاً عن فرص تثبت قدراتهم وتفوّقهم في مجالات تختلف طبيعتها. يفعلون ذلك بعدما ملّوا انتظار دعم ما من قبل الجهات المحلية المعنية.

لم يجدوا بغالبيتهم الفرص المناسبة ليثبتوا من خلالها قدراتهم، ولم يجدوا التشجيع الكافي، سواء في مجال البحوث أو الاختراعات، فكانت الهجرة حلّهم الوحيد لتحقيق أحلامهم. وفي حين يؤكّد عدد منهم أنّ ثمّة نقصاً في الدعم المادي وكذلك المعنوي من قبل السلطات المعنية، يشير عدد آخر إلى تجاهل السلطات قدراتهم وكفاءاتهم التي أثبتوها في دول خارجية مختلفة.

ويهاجر هؤلاء مستجيبين لعروض مغرية تقدّمها لهم دول أجنبية. وأخيراً على سبيل المثال، مثّل الأطباء التونسيون غالبية أطباء الاختصاص الأجانب الذين قُبلت ترشيحاتهم في مناظرة انتداب أطباء اختصاص في المستشفيات الفرنسية. ومن بين 450 مركزاً، حظي الأطباء المتخصصون التونسيون بنحو 160. ومن بين عشرين وظيفة لمتخصصين في طب النساء، حظي التونسيون بعشر. ومن بين أربعين وظيفة في طب الإنعاش والتخدير، حظي التونسيون بعشرين. والأرقام، إن دلّت على نجاح الكفاءات التونسية إلا أنّها تبيّن في المقابل حجم هجرة تلك الكفاءات، وليس في مجال الطب فقط.

عندما يهاجرون، يبحث هؤلاء الشباب من ذوي الكفاءات العالية في كل الاختصاصات في تونس عن التأطير والرعاية والاهتمام المفقودة في موطنهم. يُذكر أنّ 57 ألف طالب اتخذوا قرارهم بمواصلة تعليمهم في الخارج، لا سيما في الدول الأوروبية، في حين لا تتجاوز نسبة العائدين إلى تونس عشرة في المائة، وفق آخر إحصاءات لكتابة الدولة للهجرة. وقد بلغ عدد الكوادر التونسية المقيمة في الخارج 83 ألفاً و529 شخصاً، ليحتل الأساتذة الجامعيون والباحثون المراتب الأولى بنسبة 29 في المائة.




في سياق متصل، لم تنفِ الجمعية العربية الأفريقية للبحث العلمي والاختراع عدم تشجيع الدولة التونسية الباحثين والمخترعين بهدف تطوير كفاءاتهم وبحوثهم. يقول رئيسها رشاد المصمودي لـ "العربي الجديد" إنّها "تحتضن أكثر من ثلاثة آلاف مخترع تونسي في مختلف المجالات، وهم في حاجة إلى دعم مشاريعهم العلمية. لكنّ الدولة في أوقات كثيرة، لا تدعم قدرات الباحثين". تجدر الإشارة إلى أنّ دعم المخترعين في تونس لا يتعدى قيمة عشر الميزانيات المرصودة للجمعيات الرياضية. يوضح المصمودي أنّ "الجمعية ركزت على ضرورة تغيير القوانين المنظمة للمخترعين لأنّها تفرض على المخترع دفع سبعة آلاف دولار على مدى عشرين عاماً لتسجيل براءة الاختراع في المعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية. وقد ساهم ذلك في محدودية تسجيل الاختراعات في تونس، فلا تتعدى عشرة اختراعات سنوياً، خصوصاً أنّ الشباب بمعظمهم غير قادرين على تسديد تلك المبالغ". وإذ يؤكد "وجود كفاءات غير أكاديمية عدّة ذات قدرات كبيرة في شتى المجالات"، يشير إلى "عدم وجود مركز مختص لدعم تلك الكفاءات وتمويلها".

وتبيّن التجارب أنّ تونسيين كثيرين حققوا نجاحات كبيرة في الخارج، على غرار ألفة كمون ومحمد بوزرارة. هما يحملان شهادة في الهندسة المعمارية حصلا أخيراً على الجائزة الثانية في مسابقة تصميم ملعب ثلاثي الأبعاد في البرازيل. وقد أكّد بوزرارة على أنّه لولا الدعم المالي والإيمان بمقدرتَيهما، لما نجحا في مشروع ما كان لينفّذ في بلد لا يؤمن بكفاءات الشباب.



أمّا حبيب أيوب فقد نال جائزة المنتدى الأفريقي والعربي للمخترعين لابتكاره طريقة طبيعية تساعد على تكاثر الأسماك. وهو مشروع قادر على إنشاء مناطق صيد طبيعية قادرة على تشغيل آلاف الشباب. لكنّه يخبر "العربي الجديد" أنّه حمل مشروعه إلى مكاتب وزارات عدّة منذ حكومة الترويكا، "من دون أن أتمكن حتى اليوم من الحصول على دعم لمشروعي، على الرغم من أنّ التكلفة لن تتعدى 240 ألف دولار". ويخبر أيوب الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس الفدرالية الأوروبية للمخترعين، أنّه "تلقى عدداً من عروض لتفعيل مشروعه من قبل دول خارجية، في الوقت الذي لا تمنح فيه الدولة التونسية تلك الاختراعات والكفاءات العلمية حقها".

إلى ذلك، كانت الباحثة والمخترعة في مجال الكيمياء الدكتورة حياة العمري، وهي الرئيسة الشرفية للفدرالية الأوروبية للمخترعين، قد قدّمت اختراعاً لها إلى المجمّع الكيميائي التونسي. لكنّ عملية منح حقوق الاختراع للمجمع الكيميائي ألغيت. إلى ذلك، نالت الباحثة الجائزة الأولى في المسابقة الأفريقية والعربية للاختراع، لكنّها تفاجأت بانزعاج بعض الأساتذة الجامعيين من ذوي الاختصاص من نجاحها وبروز اسمها. وتتحدّث عن عدم تقدير الكفاءات، خصوصاً أنّها تلقت وعوداً من السلطات المعنية بقيت لسنوات مجرّد حبر على ورق. في المقابل، تلقّت العمري عدداً من العروض الأجنبية للحصول على حقوق أحد اختراعاتها. وفي النهاية، منحت أحد تلك الاختراعات للمغرب، إذ لم تجد الدعم في تونس.

المساهمون