تشوهات خلقية في مصر

15 ابريل 2017
شفاء صغيرتهما.. هذا ما يهمّهما (العربي الجديد)
+ الخط -
يومياً، يستقبل مستشفى جامعة القاهرة التخصصي للأطفال "أبو الريش الياباني" عشرات المصريين الصغار، وقد حملهم إليه ذووهم من مختلف محافظات البلاد. هؤلاء الأطفال وُلدوا مع تشوّهات خلقية، وهذا المستشفى يُعدّ الأفضل في المجال.

يزيد عدد المواليد الذين يبصرون النور مع أمراض وعيوب خلقية عن 18 ألف مولود سنوياً، بحسب ما يوضح مسؤول طبي في مستشفى أبو الريش للأطفال. وإذ يقول إنّ "حالات عدّة يُرفَض استقبالها بسبب عدم توفّر أسرّة كافية أو لتحديد ميعاد آخر"، يشير إلى أنّ "ثمّة أطفالاً يموتون نتيجة الانتظار لمدّة طويلة وعدم تلقيهم العلاج المطلوب. بالتالي، يرى بعض الأهالي أنفسهم وقد لجؤوا إلى مستشفيات خاصة لعلاج أبنائهم على الرغم من التكلفة العالية. يُذكر أنّ النتيجة لا تأتي مطمئنة في كثير من الحالات".

يتابع المسؤول، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّ "ثمّة أهالي قد يلجؤون إلى الكشف عند أطباء المستشفى في عياداتهم الخاصة، كنوع من الرشوة في مقابل تسهيل دخول أطفالهم إلى المستشفى". تًضاف إلى ذلك الوساطة التي قد يستفيد منها البعض. وفي ما يشبه المقارنة، يلفت المسؤول إلى أنّ "مستشفى سرطان الأطفال 57357 يعجّ كذلك بالأطفال المرضى، غير أنّ أطباء مستشفى أبو الريش للأطفال يعملون في ظروف معقدة. فالإمكانيات ضعيفة جداً، خصوصاً مع ارتفاع أسعار العلاجات، ويُطالَب الأهالي بجلب الأدوية من خارج المستشفى على الرغم من أنّها مجانية". يُذكر أنّ إدارة المستشفى فتحت باب التبرّع من خلال عدد من المصارف، حتى يساهم الأهالي والمقتدرون في تأمين علاجات هؤلاء الأطفال.

إدارة المستشفى فتحت باب التبرّع (العربي الجديد) 


كانت جولة لـ"العربى الجديد" في مستشفى أبو الريش للأطفال، حيث طوابير من المراجعين في الداخل وزحام على الأرصفة المحيطة به. هؤلاء ينتظرون سماع اسم ابنهم أو ابنتهم، بعدما وفدوا أفرداً وجماعات من النجوع والقرى البعيدة. وثمّة من يضطر إلى النوم في الشارع أو أمام بوابة المستشفى، في انتظار فتح "الشباك". تجدر الإشارة إلى أنّ أعراض الإرهاق واليأس ظهرت على كثيرين، نتيجة السعي إلى الحصول على رعاية صحية وعلاج مناسبَين لأطفالهم.

جمال عمر من محافظة الشرقية، يعمل محاسباً في إحدى شركات القطاع الخاص، يقول: "وصلت إلى المستشفى عند الساعة الرابعة فجراً، لأتمكّن من حجز مكان لي أمام شبّاك التذاكر. ابني مصاب بضمور في المخّ بسبب نقص الأكسجين منذ ولادته. وبعد ذلّ امتد لشهور طويلة في المستشفيات الحكومية، نصحني أحد الأشخاص بالتوجّه إلى مستشفى أبو الريش.
أتيت لأتفاجأ بالطابور والانتظار الطويل". يضيف بشيء من اليأس: "مش عارف أعمل إيه".

من جهته، اصطحب محمد مصطفى ابنه أحمد من طنطا، إذ يعاني من ثقب في القلب. يخبر بأسى شديد: "ذهبت إلى مستشفى طنطا العام لأعالج ابني، لكنّ المعنيين هناك حوّلوني بخطاب رسمي إلى مستشفى أبو الريش. إنها الساعة العاشرة صباحاً وما زالت أنتظر دوري أمام المستشفى منذ وصولي عند الساعة السابعة".

مريم ربّة منزل من محافظة القليوبية، تنتظر بدورها في المستشفى، وهي تحمل وليدها الأوّل المصاب بفقر الدم. تقول إنّ "الأطباء نصحوني بإجراء فحوصات مختلفة في مستشفى أبو الريش، لمعرفة نوع فقر الدم الذي يعاني منه. لكنّ إدارة المستشفى دوّختني بالأوراق من دون جدوى".

ينتظرون أن يسمح لهم بالدخول (العربي الجديد)
 

ومستشفى أبو الريش للأطفال، كما المستشفيات الجامعية الأخرى، يعاني من نقص في الموارد والمستلزمات الطبية والأدوية منذ شهور عدّة، بعد تحرير أسعار الصرف، الأمر الذي دفع إدارته إلى مناشدة المجتمع المدني للتضامن معه وإنقاذ أطفاله من براثن الموت.

يقول أستاذ طب الأطفال وحديثي الولادة في جامعة عين شمس، الدكتور مصطفى هدهد، إنّ "الأطفال الذين يعانون من تشوّهات من الشؤون الخطيرة التي يتوجّب على الدولة العمل على حلّها فوراً". ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ ثمّة أكثر من 30 في المائة من الأطفال الذين يولدون مع تشوهات مصابون بعيوب خلقية في القلب. أمّا نسبة الشفاء، فتكون بسيطة إذا اتخذت إجراءات سريعة لإنقاذ حياة الطفل. ثمّ تأتي أمراض المخّ في المرتبة الثانية". ويلفت إلى أنّ "أطفالاً مع تشوّهات قد يموتون مبكراً بسبب عدم إنقاذ حياتهم".

ويعيد هدهد "أسباب تلك التشوّهات الكثيرة والمتعددة، إلى زواج الأقارب، وكذلك تلوّث المياه أو الهواء الذي يؤدّي إلى تشوّهات في الأجنّة". ويشرح أنّ "نسب التلوّث ارتفعت كثيراً في مصر، خلال السنوات الماضية. سكّان حيّ حلوان في جنوب القاهرة على سبيل المثال، من بين الأكثر إصابة بتشوّه الأجنّة، نتيجة مصانع الإسمنت ومصانع الطوب التي تصدر غاز الأمونيا وغاز أوّل أكسيد الكربون وارتفاع نسبة الرصاص". ويشير إلى "الوضع في محافظة شمال سيناء، حيث الغازات الناجمة عن العمليات العسكرية الإرهابية التي تشهدها المحافظة تؤثّر كثيراً على الأم الحامل". ويتابع أنّه "نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، لا تتابع نساء كثيرات أوضاعهنّ وأوضاع حملهنّ لدى الأطباء للتأكد من سلامة الجنين".

دلالات