العرب يتعلمون لغتهم في هولندا

07 مارس 2017
للحفاظ على اللغة الأم (العربي الجديد)
+ الخط -

في هولندا مدرسة أسسها لاجئون سوريون تقدم دروساً باللغة العربية لأبناء اللاجئين بالذات. هي تجربة تسعى إلى ربط أبناء العرب أكثر بلغتهم الأم.

شهد العام الماضي تأسيس مدرسة أسبوعية للغة العربية مخصصة للأطفال ما بين عمر السادسة والثالثة عشرة، بمنهاج سوري منقح من أجل أبناء اللاجئين السوريين وغيرهم من العرب.

بذلك، يذهب التلاميذ نهار السبت من كلّ أسبوع إلى مدرسة مستأجرة في مدينة ساسينهايم القريبة من لاهاي. كذلك، يلتحق بصفوف المدرسة عدد من التلاميذ الذين ولدوا في هولندا من جنسيات عربية أخرى، كما تشهد التحاق تلميذ هولندي الأصل يبلغ من العمر سبعة أعوام بها، بتشجيع من والديه، بهدف التواصل بشكل أفضل مع صديق سوري تعرف إليه حديثاً، بحسب مدرّسة المرحلة الأولى في المدرسة إيمان الغضبان.

الغضبان لاجئة وصلت منذ ثلاثة أعوام إلى هولندا رفقة عائلتها. هي خريجة قسم اللغة العربية في جامعة دمشق. تشير إلى أنّ طريقة التعليم المتبعة في المدرسة تعتمد المراحل التي ينتقل فيها التلاميذ تدريجياً. قسم التلاميذ الأربعون الحاليون بذكورهم وإناثهم إلى ثلاث مجموعات. تمضي كلّ مجموعة ساعتين ونصف، يتخللها استراحة، في تعلّم القراءة والكتابة والقواعد العربية.

تلفت الغضبان إلى وجود مدارس عديدة في هولندا لتعليم اللغة العربية للأطفال، لكنّها تعتبر المنهاج التعليمي الذي تعتمده المدرسة، والذي يستند إلى المنهاج السوري في المناطق المحررة وتركيا، متقدماً في المضمون والشكل. فهو يأخذ في عين الاعتبار المرحلة العمرية للتلميذ، ويركز على الجانب اللغوي حصراً، لتمكين الأطفال من لغة عائلاتهم بما يضمن التواصل معهم خلال مدة الدرس القصيرة. تلفت إلى مصاعب واجهت القائمين على المدرسة في تأمين الكتب الدراسية وطباعتها، فثمن الكتاب إلى جانب تكاليف استئجار المدرسة أثناء عطلة تلاميذها الهولنديين يوم السبت، يدفعه الطفل الملتحق بصفوف اللغة العربية.

وحول الرأي الشائع أنّ تلقي أبناء السكان الجدد دروساً بلغة عائلاتهم الأصلية، التي لا تشبه المجتمع والتعليم الذي يعيش فيه هؤلاء الأطفال، من شأنه أن يساهم في تقوقع العائلات ويعوّق اندماجها، تردّ إحدى المدرسات على ذلك الرأي بأنّ "المرحلة العمرية للأطفال في المدرسة العربية مبكرة ولا تؤثر على التحاق التلميذ الجديد بالمدارس الهولندية ونظامها التعليمي، كما أنّ باستطاعة الطفل تعلّم أكثر من لغة".

لغة الضاد (العربي الجديد)


مبادرة تأسيس المدرسة جاءت عبر منظمة "نساء سوريات في هولندا". تعمل المدرّسات فيها تطوعاً، فمنهن من ينتقلن على الدراجة إلى المدرسة ومنهن من يتكفلن بنفقات المواصلات إلى مدينة ساسينهايم. قبل افتتاح صفوف اللغة العربية، تواصلت المشرفة الهولندية مع جيران المدرسة وأبلغتهم بموعد الدروس، واستخدام القاعات والمرافق الخاصة بالمدرسة أثناء العطلة، لتلافي أي سوء فهم أو أفكار خاطئة.

لا تقدم المدرسة دروساً دينية، إنّما تعتمد على تنمية القدرات اللغوية للأطفال الذين ينحدرون من عائلات سورية وعربية يفكر بعضها بالعودة إلى بلاده عندما تتوقف الحرب، فلا تريد تلك العائلات أن يخسر أبناؤها لغتهم الأم مع ما في ذلك من تأثير سلبي لاحق عليهم. عن ذلك، يقول المشرفون على المدرسة: "مع أنّ القانون الهولندي يسمح بتلقي التعليم الديني، وهناك مدارس دينية عديدة في البلاد لمختلف الديانات، إلاّ أنّ الدرس الأسبوعي الذي يتلقاه التلميذ هنا لغوي بالكامل". وهو ما كان واضحاً في طلبات الترخيص التي قدموها إلى الجهات المعنية. وسبب ذلك الرغبة في الحفاظ على التنوع الثقافي للتلاميذ، إذ إنّ ربط اللغة بالدين يحرم العديد من الأطفال العرب والسوريين من تعلم العربية، بحسب ما يقولون.

الحلقة الأولى من المدرسة يلتحق بها 20 طفلاً، وتمزج بين التعليم والرقص واللعب، والتفاعل مع المدرّسة والمضمون البصري بحماس وتلقائية. ما الحلقتان الأكبر، الثانية والثالثة، فيجتمع فيهما التلاميذ حول طاولة كبيرة لقراءة نصوص وشرح مضمونها بمساعدة مدرّسة أو أكثر. ففي المرحلة المتقدمة يراعى أيضاً تحصيل وتقدم كلّ تلميذ وما يتطلبه ذلك من إشراف ومتابعة وشرح.

العام الماضي، تلقت المدرسة إقبالاً كبيراً على التسجيل، بما فاق قدرتها الاستيعابية والتدريسية، فجرى تحويل عدد كبير من التلاميذ إلى إحدى المدارس القريبة من أمستردام التي تشرف عليها "منظمة العمل مع اللاجئين" في هولندا.

كلّ ذلك يشير إلى رغبة واسعة من السوريين والعرب الذين وصلوا حديثاً إلى هولندا في الحفاظ على لغة التواصل الأم مع أولادهم، وما يشكله ذلك من تعزيز للتواصل في ما بينهم في بلاد اللجوء.