عيادات سوريّة متنقلة

22 فبراير 2017
حصلت على دوائها (العربي الجديد)
+ الخط -

تكثر في أرياف حلب وإدلب وحماة مشاهد الخيم التي يقطنها آلاف من النازحين السوريين الهاربين من القصف أو الجوع والمرض والموت. في المناطق الوعرة وبين أشجار الزيتون، وعلى مقربة من الطرقات الواصلة بين المدن والقرى، يتّخذ هؤلاء مأوى لهم. لكنّهم يتعرّضون وخيمهم لحرب من نوع آخر، مع عوامل الطبيعة التي تخلّف الأمراض، لا سيّما بين الأطفال.

وفي حين يُسجّل نقص في الخدمات الطبيّة التي يحتاج إليها هؤلاء، تأتي العيادات المتنقلة لتؤمّن جزءاً من الحلّ في مناطق نائية بعيدة عن مراكز المدن. وبالفعل ساعدت تلك العيادات النازحين على تجاوز بعض المشكلات الطبية والحدّ من خطورتها.

في منطقة سنجار حيث نُصبت عشرات الخيم وسط المناطق الوعرة، يتحدّث المسؤول عن توثيق عمل تلك العيادات، مروان الدغيم، لـ "العربي الجديد"، عن طبيعة عمل العيادة المتنقلة والخدمات التي تقدّمها. ويوضح أنّ "ثمّة عيادتَين متنقّلتَين في منطقة سنجار في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، تضمّ كلّ واحدة منهما طبيباً عامّاً وممّرضَين اثنَين إلى جانب مرشدتَين صحيّتَين وموثّق". ويشير إلى "عيادة ثالثة نشرف عليها في ريف حلب الغربي، تضمّ كادراً مماثلاً".

في الساعة الثامنة صباحاً، ينطلق فريق عمل العيادة من مركزها الرئيسي إلى المخيّم المقصود. فيه، تتّخذ مكاناً لها بالقرب من الخيم، قبل أن يصطف النازحون في طابور ويبدأ طبيب العيادة بفحص الأطفال وتقديم الأدوية اللازمة للعلاج، بينما تقوم المرشدة الصحيّة بتوعية أهالي الأطفال وكذلك مرافقي المرضى حول كيفية التعامل مع المريض والبيئة المحيطة.

تقول مرشدة في العيادة لـ"العربي الجديد" إنّ "المنطقة هنا نائية ووعرة، ولا تتوفّر فيها الخدمات. لذا أعمد إلى تدريب النازحين على كيفية تفادي العدوى في حال مرض أحد أفراد الأسرة، بالإضافة إلى توعيتهم حول كيفية استخدام الدواء والابتعاد عن المياه الملوثة والتعامل مع الرياح المحمّلة بالأتربة، إذ هي تساهم في انتشار الأمراض الصدرية بين الأطفال".

من جهتها، تقول الممرضة المشرفة على القبالة القانونية: "أعمل هنا كمتخصصة في شأن النساء الحوامل، فأرشدهنّ وأقدّم لهنّ العون والنصائح بمساعدة الطبيب". لكنّها تلفت إلى أنّ "أيّ عملية توليد لا تقام هنا. وفي حال حدوث طارئ، ننقل المريضة إلى أحد المراكز الرئيسية".



تجدر الإشارة إلى أنّ العيادة تكتفي بتأمين الفحص والعلاج في حال توفّر. وإذا وُجدت حالة مرضيّة مستعصية أو خطيرة أو في حاجة إلى تدخّل جراحي، يحوّل الطبيب المريض فوراً إلى أقرب مركز. أمّا أقرب مركزَين إلى منطقة سنجار فيقعان في بلدتَي حاس وجرجناز.

عند الساعة الثانية من بعد الظهر، ينتهي عمل العيادة ليعود الطاقم إلى المركز. ويلفت الدغيم إلى أنّ "العيادة تعمل على مدار الساعة، إلا في حالات استثنائية". ويضيف أنّ "العيادة المتنقلة أقلّ عرضة للخطر، في وقت تُستهدَف فيه مستشفيات ميدانية ومستوصفات في مناطق عدّة في أرياف ومدن حماة وإدلب وحلب".

في السياق، يشرح طبيب العيادة لـ"العربي الجديد" أنّ "في منطقة سنجار، نسجّل يومياً ما بين 100 و180 حالة مرضيّة مختلفة، خصوصاً خلال الشتاء نتيجة انتشار أمراض الجهاز التنفسي والبلعوم. أمّا الصعوبات فهي نقص الأدوية وطبيعة المنطقة ووعورتها، الأمر الذي يزيد من صعوبة التنقل في الشتاء". ويضيف أنّ "في كلّ أسبوع أو أسبوعَين، نقوم بزيارة لمخيّم بحسب النازحين وعددهم. وفي حال وفد نازحون جدد، نضمّهم إلى المشروع". ويلفت إلى أنّ "المصابين بأمراض مزمنة أو المرضى الذين يحتاجون إلى عمل جراحي، أرسلهم مباشرة إلى المركز الأقرب".

من جهة أخرى، يقول المنسق الإداري للعيادات في ريف حماة وإدلب، خالد المصطفى، إنّها "تركّز على المخيمات في المناطق والتجمعات السكانية حيث نسب النزوح عالية. وهذه المناطق بعيدة بطبيعتها عن المراكز الصحية، وهو ما يزيد من حاجتها إلى عيادات متنقلة". ويشرح أنّ "طاقم العيادة ينطلق في اتجاه نقطة محددة ضمن خطة سير مسبقة تشمل 13 تجمعاً سكنياً. وفي كل يوم، تكون الوجهة تجمعاً أو قرية أو مخيماً. والعيادة هي سيارة (فان) مجهّزة بالأدوية وأدوات الفحص الطبي، تقدّم المعاينة والعلاج مجاناً لنحو 30 ألف نسمة في هذه المناطق النائية والبعيدة عن المراكز الصحية".

وعن المعوّقات التي تعترض عمل العيادة، يقول المصطفى إنّ "العمل في العيادة لا يتوقف إلا في الحالات الاضطرارية، من قبيل قصف الطيران. إلى ذلك، يزداد العمل صعوبة مع تبعثر الخيم وعدم تنظيمها، وقلة الوعي الصحي لدى النازحين، ووعورة الطرقات خصوصاً في الشتاء إذ تتسبب الطرقات الموحلة في انزلاق السيارات". ويذكر أنّ "السوريين في مناطق المعارضة السورية يعانون عموماً من وضع طبي غير جيّد، نتيجة الحصار الذي تفرضه قوات النظام السوري عليها وقصف الطيران الحربي المتكرر، بالإضافة إلى أعداد النازحين والمهجّرين التي بلغت مئات الألوف".