ضحية جديدة لعنف الشرطة الفرنسية يدعم قضية "ثيو"

14 فبراير 2017
واقع لا تعالجه التصريحات (نومان /الأناضول)
+ الخط -
لا يتقدم كلّ ضحايا عنف البوليس من سكّان الضواحي والأحياء الشعبية بشكاوى بشكل تلقائي، خوفاً من انتقام الشرطة أو لأسباب أخرى، ومن هؤلاء، الفتى محمد، الذي جاءت شهادته اليوم، في وسائل الإعلام، لتُدعّم رواية الضحية "ثيو" حول عنف الشرطة في "أولناي- سو-بوا".


وجاءت الشهادة لتثبت أن عنف البوليس ليس حالة فردية معزولة، كما تكرر السلطات الأمنية، مدعومة من اليمين المتطرف وبعض قيادات حزب "الجمهوريون"، وهو ما اضطر وزير الداخلية الفرنسي، برونو لورو، في زيارة للضاحية، أن يطلب من "المفتشية العامة للشرطة الوطنية" فتح تحقيق إضافي فوري مع أحد أفراد الشرطة الضالعين في قضية ثيو.


وأكد محمد، أن أحد أفراد الشرطة الذين مارسوا العنف مع ثيو، سبق له ممارسة عنف مماثل عليه برفقة شرطيين آخرَين، يوم 26 يناير/كانون الثاني الماضي. واستعرض الفتى ظروف تفتيش بالغة الصعوبة انتهت بِمَشَاهد من العنف، وشتائم من نوع "الأسود القذر" و"العاهرة" ترافقها حالات من البصاق على جسده، خاصة من الشرطي المتهم باغتصاب ثيو، والذي يطلق عليه الجميع اسم "صاحب اللحية الصهباء".

وبرر محمد، الذي منحه الطبيب القضائي حق التوقف عن العمل لخمسة أيام بسبب ما تعرض له من تعذيب، عدَمَ تقدمه بشكوى بعثوره على وظيفة وخوفه من فقدها في حال الشكوى ضد الشرطة.


وحدثت مناوشات جديدة في مدن تورسي ومانت -لا- جولي وسارتروفيل ونانتير، وفي مدينتي أنجي وديجون، ولكن بوتيرة أخف، كما اعتقل على إثرها أكثر من عشرين شخصاً. لكن الحكومة تعتبر الأمر بالغ الخطورة، لإمكانية تفجره في أية لحظة. لذلك جاءت زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للضواحي.


وتطرح المناوشات التي تستمر ليلاً حتى ساعات الصباح، في عمليات كرّ وفرّ بين الشباب الغاضبين المتضامنين مع الشاب الفرنسي ثيو وقوات الأمن، في عدد من مدن وبلدات الضاحية الباريسية، خشية مسؤولين أمنيين من أن يكون في الأمر تنافُسٌ بين شباب الضواحي للتظاهر، وتوسيع أعمال الشغب من منطقة إلى أخرى. ودفع الوضع صحيفة "لوباريزيان" إلى سؤال قرائها، صراحة: هل تخشون العودة إلى أحداث الشغب التي عرفتها فرنسا عام 2005؟

إحراق سيارة شرطة بعد الاعتداء على الشاب الفرنسي ثيو(نومان/الأناضول) 

وبانتظار نتائج التحقيقات في قضية الاعتداء البوليسي "العنيف والمتعمد" على الشاب ثيو، قبل أسبوعين، زار الرئيس هولاند، صباح اليوم، للمرة الثانية ضاحية "أوبيرفيليي"، التي يديرها تحالف اليسار وتترأس بلديتها، مريم درقاوي، الفرنسية من أصول مغربية. كما زار وزير الداخلية، برونو لورو، مدينة سارسيل، في الضاحية الباريسية أيضاً، التي غالباً ما تشهد احتقانات مع وجود عدد كبير للعرب واليهود فيها.


وأثارت تصريحات هولاند عن "إدانة تجاوزات الشرطة واحترام القانون والابتعاد عن العنف"، التي وافقت تصريحات رئيس الحكومة ووزير الداخلية أمس، بعد لقائهما مع جمعيات تناهض العنصرية، حفيظة اليمين المتطرف. إذ انتقد الأخير زيارة الرئيس هولاند للشاب ثيو، بدل زيارته أفراد الشرطة الجرحى. واعتبر مسؤول في الجبهة الوطنية الزيارة، في تغريدة له، "زيارة للأوغاد وتخلياً غير مسؤول عن الشرطة".


واطلع الرئيس الفرنسي، ترافقه وزيرة الشغل، مريم الخمري، خلال زيارة عمل لبيت الشغل، على درجة الغضب عما جرى لثيو وفشل السياسات الحكومية في ميدان تشغيل شباب الضواحي.
ولم يكن الاستقبال مرحباً بالرئيس في أوبيرفيليي، على غرار ما كان أثناء حملته الانتخابية عام 2012، حين وعد شبابها بالشغل والإدماج وتحسين العلاقة بينهم وبين المؤسسات الأمنية. بل استقبلته امرأة غاضبة بصيحات: "الشرطة تغتصب، الشرطة تقتل"، في إشارة صريحة إلى ثيو، والفتى أداما تراوري الذي قضى بين أيدي الدرك، ولم يقل القضاء كلمته الفصل رغم مرور شهور عدة على الحادثة.


وقال الرئيس، هولاند، أمام عشرات الحاضرين: "لا توجد حياة مشتركة من دون احترام. احترام هؤلاء الشباب حين يتم إيقافهم وتفتيشهم، وحين يكونون في مواجهة حالات عنف. وحيثما يكون ثمة تجاوز يجب إدانته، وتحريك العدالة لتقول كلمتها، وهو ما جرى في أولناي-سو-بوا"، مشيداً بدعوات ثيو للهدوء والتي رأى فيها "نفاذ بصيرة وعزة نفس".

تحاول الحكومة الفرنسية جادة، وقف هذه الموجة الجديدة من التظاهرات المصحوبة بالعنف، وتعترف أن التشدد وحده لا يكفي، ولهذا تزاوجت التصريحات المهدئة والمُطمْئنة بسير العدالة إلى منتهاها، والتلويح في الوقت نفسه باستخدام القوة لحماية المواطنين وممتلكاتهم والمؤسسات.

ولكن تصريحات مارين لوبان وقياديي الجبهة الوطنية، (الواعين لأهمية تصويت أفراد الشرطة الوطنية لصالح الحزب المتطرف)، المؤكدة دعم الشرطة والداعية لإعادة تسليحها ومنحها حقوقاً إضافية في الدفاع المشروع عن النفس، وزياراتها لمراكز الشرطة، إضافة إلى كلامها عن "مناطق-اللا قانون" و"مناطق اللا فرنسا" التي يجب استعادتُها من الجمهورية، في إشارة إلى الأحياء الشعبية والضواحي، يجعل المصالحة مستحيلة على المدى القريب.