الكماليات تُفرغ جيوب موريتانيين

15 فبراير 2017
لم يشترينَ الأحدث بعد (جورج غوبيت/ فرانس برس)
+ الخط -
يبدو الموريتانيون متأثّرين بثقافة الاستهلاك وشراء الكماليّات، في وقت يُعدّون من أكثر الشعوب فقراً، إذ تتجاوز نسبة الفقر في المجتمع 40 في المائة بحسب تقارير دوليّة. يكفي أن تزور سوق الهواتف في وسط العاصمة، والذي يعرف شعبيّاً باسم "نقطة ساخنة"، لتعرف حجم الإقبال على شراء أحدث الهواتف، حتى من قبل الفقراء الذين بالكاد يقدرون على تأمين قوت يومهم. ولا يقتصر الأمر على الهواتف، بل يشمل أيضاً التلفزيونات والسيّارات وغيرها من السلع التي قد تبدو مغرية. وفي بعض الأحيان، يبدو من الصعب التفريق بين غنيّ وفقير.

الخرشي ولد ديدي شاب موريتاني في العشرينيّات من عمره، يتحدّث لـ "العربي الجديد" عن ولعه بشراء الهواتف الذكيّة على الرغم من أنّه من أسرة فقيرة، ووالده يعمل مدرّساً ليعيله وأشقّائه الثلاثة. وعن كيفيّة تدبيره المال لشراء أحدث الهواتف، يقول ولد ديدي إنّه يتّفق مع أحد المحال على شراء هاتف جديد، على أن يستبدله بعد شهرَين ويدفع الفرق، لافتاً إلى أنّه يدخر المال من مصروفه الذي يعطيه إيّاه والده.

سحر التكنولوجيا

ويرى ولد ديدي أنّ "سحر التكنولوجيا يعوّض كل خسارة". فشعوره بالتفوّق على زملائه لا يقارن بما يُصرف من أموال. مع ذلك، يرفض وصف ما يقوم به بأنّه تبذير، لأنّ "الهاتف الذكي أصبح ضرورة"، لافتاً إلى أنّ "شراء هاتف بمواصفات جيّدة هو أفضل من شراء آخر بمواصفات رديئة. فالأول يمكن بيعه بسعر جيّد، على عكس الهاتف الرخيص".



من جهته، يحكي علي ولد أفيل، صاحب محلّ لبيع التلفزيونات، عن إقبال كثيرين على شراء الكماليات. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه "في بعض الأحيان، يأتي ناس إلى المحلّ بهدف شراء أحدث الموديلات. في إحدى المرات، جاءت امرأة مع بناتها لشراء تلفزيون جديد، لكنّها لم تكن تملك المال الكافي، خصوصاً أنّ سعر التلفزيون كان مرتفعاً. فرهنت خاتمها لترسل المال المتبقّي بعد أيام". ويشير إلى أنّ "تفشّي ظاهرة الاستهلاك يرتبط بحبّ المظاهر والتنافس بين الأسر والأقارب. ومن لا يملك هاتف آيفون أم سامسونغ جديد أم تلفزيون جديد ومتطوّر، ينظر إليه أقاربه وأصدقاؤه بدونيّة". يضيف ولد أفيل أنّ "المشكلة تكمن في أنّ هذا الإنفاق يأتي على حساب الأمور الضروريّة للأسرة، كالطعام والصحة والتعليم. وبعض الأسر تكتفي بوجبة واحدة، علماً أنّها تملك أموراً غير ضروريّة". هكذا تجد بعض الأسر نفسها قادرة على تدبّر احتياجاتها الأساسيّة، من دون أن تسقط الكماليات من حساباتها.

واردات كبيرة

في هذا السياق، يقول رئيس مركز المشورة للدراسات، الباحث خالد ولد محمدن، لـ "العربي الجديد"، إنّ الأرقام الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء تؤكد أنّ "واردات البلاد من السلع الكماليّة تعدّ كبيرة، وقد تفوق السلع الغذائية والمشتقات النفطية". ويعرّف ولد محمدن الاستهلاك بأنّه "الإنفاق على السلع والخدمات التي يحتاجها الفرد أو الأسرة في حياته اليوميّة، من طعام وكساء وكهرباء ومياه ومواصلات بصورة جيدة ومقبولة". يضيف: "من الواضح أنّ النسبة الأكبر من أموال الموريتانيين تنفق لشراء سلع خارج هذه الدائرة الأساسيّة، ما يمثّل تحدياً اقتصادياً للدولة التي تعاني من عجز كبير في ميزان المدفوعات، وتبذل جهوداً كبيرة للسيطرة عليه".

ويشدّد ولد محمدن على "ضرورة رفع مستوى الوعي لدى المستهلك الموريتاني، في كيفيّة تعامله مع السلع، نظراً إلى النتائج والآثار السلبية لثقافة الاستهلاك التي تؤثّر بشكل سلبي على ميزانيّات الأسر والأفراد". ويتابع أن "الإنفاق على السلع الكمالية هو إنفاق من دون عائد وغير ضروري، ويدخل في إطار إهدار الثروة".

تجدر الإشارة إلى أنّ الانفتاح على العالم الخارجي ربّما ساهم بحسب معنيّين، في تكريس ثقافة الاستهلاك هذه، بعدما بات كثيرون يرغبون في شراء كلّ ما هو جديد بهدف تجربته. وفي بعض الأحيان، يشعر أولئك المهتمين بشراء الكماليات ومواكبة كل ما هو جديد، بمزيد من الثقة في النفس.