شباب الضواحي غاضبون من الشرطة الفرنسية بعد واقعة "ثيو"

10 فبراير 2017
الغضب يتواصل ضد الشرطة الفرنسية (نعمان قادوري/الأناضول)
+ الخط -
تتواصل التظاهرات المتضامنة مع الشاب الفرنسي ثيو في المدن وضواحي العاصمة، بالتزامن مع تواصُل النداءات المطالبة بالهدوء من قبل سياسيين ومسؤولين. كما يتواصل عنف البوليس معمّقا الشرخ بين شباب الضواحي والأحياء الشعبية، وبين الشرطة.

ويأتي الصدام المستجد الذي فجره الاعتداء الجسدي والجنسي على الشاب ثيو، بعد فترة عرفت فيها العلاقة بين الطرفين تحسنا عقب الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا، والتي زادت خلالها وبعدها شعبية الشرطة بسبب تحملها عبئا كبيرا في مواجهة الإرهاب. وتمثّلت هذه الشعبية في دعم شعبي واسع لتظاهراتها الأخيرة المُطالِبَة بإمكانات مادية وبشرية إضافية وبقوانين زجرية جديدة.

لكنّ العنف الجديد أسهم، إضافة إلى زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للضحية ثيو في المستشفى، في فتح المجال أمام كثير من المشاهير للخروج عن صمتهم، فتدفقت المواقف والتغريدات المتضامنة مع ثيو، والمنادية بـ"العدالة من أجله"، فأعلن لاعب كرة السلة، رودي غوبرت، ولاعبو كرة القدم، موسى سيسوكو والجزائري رياض محرز، التضامن مع ثيو.


وذهب لاعب الفريق الوطني الفرنسي، عادل رامي، أبعد من ذلك، فانتقد قرار "المفتشية العامة للشرطة"، وكتب: "إن الشرطة تتبول علينا حتى من دون أن تشعرنا بأن السماء تُمطر".
كما عبر كثير من موسيقيي الهيب هوب عن مواقف غاضبة، على غرار ما فعلوا عقب مقتل الفتى أداما تراوري على أيدي الدرك سنة 2016، ومصرع الفتيَيْن زياد وبونا، اللذين أشعلا انتفاضة الضواحي سنة 2005.

واستعاد الفنان أوكْسْمو بوشينو، كلمات إحدى أغانيه في الحديث عمّا جرى، والتي تقول: "من يستطيع أن ينكر؟ لون البشرة ليس سوى سبب من أجل كراهية إنسان").

وتميَّزَ الفنان سُوبرانو بتعليق يكشف سوء العلاقة بين الشرطة والمواطنين، خاصة المنحدرين من الأصول الأجنبية، إذ كتب أنه بعد حادث نيس الإرهابي كان قد قرر أن يكون إيجابيا وألا ينتقد الشرطة، و"... لكني بعد سماع شهادة الشاب ثيو. فقدتُ الكلام...".


فنانون آخرون عبروا عن مزيج من الأسى والتقزز مما جرى. فالممثل الفرنسي من أصول سنغالية وموريتانية، عمر سي، عبّر عن حزنه بشكل دبلوماسي مقصود، متكئا على قولة لمارتن لوثر كينغ "إن ظلما يُرتَكَب في مكانٍ ما، يُهدّد العدالة في العالم بأسره".

لكن أقسى انتقاد لتصرفات رجال الشرطة ورد على لسان الممثل فانسان كاسيل، الذي غرّد: "لا يوجد أي تبرير للّقطاء. الشرطي أو الحثالة نفس المعركة". كما أن الفكاهي ستيفان غويون وصف تصرفات الشرطة بالبربرية، فكتب: "كانت شهادة ثيو جميلة، وهو القوي والمتّزن، في مواجهة البربرية الفظيعة لأربعة من رجال الشرطة في أولناي- سو- بوا".

وحلل عالِم الاجتماع في جامعة برنستون، ديديي فاسان، صاحب كتاب "قوة النظام: أنثروبولوجيا شرطة الأحياء الشعبية" سنة 2011، الطابع الجنسي للاعتداء قائلا: "عنصرٌ يَرِد كثيرا في محكيات الاعتقالات البوليسية العنيفة في الأحياء الشعبية: وهو طابع جنسي مُعلَن. من الشتائم ورُهاب المثلية والخصي المسحوقة والتفتيش الذي يطاول أماكن حساسة إلى أن يصل إلى الأسوأ، مع الاغتصاب الذي كان ثيو ضحية له".

وكشف أن العنف الذي تمارسه الشرطة في الأحياء الشعبية على شباب من أصول مهاجرة، يمزج بين جانبين: "الجسدي والنفسي، وفي حالة ثيو امتزجا معا. إذ يتعلق الأمر في آن واحد، بكسر وإهانة شاب تجرأ على الاحتجاج ضد مراقبة بوليسية متكررة. إنها إرادة الشرطة في أن تفقده فحولته، وهو ما تؤكده كلمات الشرطة المُصاحِبة للعنف".

ويضيف: "يتعلق الأمر هنا في أولناي-سو-بوا، بأفعال ساديّة نادرة، ولكن الإرادة في جرح ذكورية من يسقط بين أيديها هي في المقابل انتقامٌ مألوفٌ بين رجال الشرطة".


عنف غير مسبوق

ويحكي كثير من شباب حيّ بوسكي بمدينة مونفيرماي، القريبة من أولناي-سو-يوا، عن تعرضهم بداية هذا الأسبوع لعنف بوليسي غير مسبوق، بل إنه مُورِسَ حتى على شباب لم يشاركوا في التظاهر.


ويروي بعضهم عن تصرفات بوليسية مشينة في تفتيش أماكن حساسة في الجسم وفي الضرب بالأقدام على رؤوس الشباب وتوجيه شتائم غاية في البذاءة والاحتقار، ويتساءل كثير منهم عن مبرر زيارة الرئيس للتهدئة في الوقت الذي خرج فيه العنف البوليسي الأعمى من عقاله، وهو عنفٌ يشدد الشباب على أنه منتظم وجماعي، ولا يتعلق بحالات فردية أو معزولة، كما يحلو لبعض الساسة أن يقولوا دفاعا عن الشرطة.


وسخر بعضهم من تصريحات قياديين في اليمين الكلاسيكي يتعمدون ألا يعلقوا على مأساة ثيو وشباب الضواحي، ويكررون أن ثمة "مناطق خارجة عن سلطات الدولة والقانون ويجب العمل على استعادتها"، كما يسخرون من تصريحات مارين لوبين في القناة الثانية مساء أمس الخميس، مؤكدة أن "استطلاعات للرأي تقول إن نحو 50 في المائة من رجال الشرطة والدرك ينوون التصويت لصالحي في الانتخابات القادمة".

ولا يفكرّ أي من هؤلاء الشباب، إلا نادرا، في تقديم الشكوى ضد الشرطة، لأنه لا أحد يستطيع أن يذهب بالشكوى إلى منتهاها، إذ سرعان ما يقذف بها في سلة المهملات.

في انتظار معرفة ما سيحدث في قصية ثيو، تعرف السلطات الفرنسية، الأمنية والقضائية، أن عيون المواطنين مشرعة، وأن لا شيء يضمن عدم تكرار انتفاضة الضواحي كما حدث سنة 2005. كما أنها تَعلم أن الانتخابات الفرنسية، وهي على الأبواب، تمنَح رؤية أوسع وصدى أكبر لكل الضحايا والمظلومين.