غياب الحضانات يمنع الأردنيات من العمل

09 ديسمبر 2017
شرطيات في الأردن (عوض عوض/ فرانس برس)
+ الخط -
في نهاية ديسمبر/ كانون الأول من عام 2016، وضعت مدرّسة اللغة الإنكليزية للمرحلة الابتدائية، آية الحجي، مولودها الأول. وبعد فرحتها به، بدأت تُفكّر في مستقبلها الوظيفي. تقول: "أوشكت إجازة الأمومة (70 يوماً) على الانتهاء، وأصبحت أفكّر بشكل جدي في ترك العمل"، مشيرة إلى أنها باتت قلقة بشكل كبير، وقد بدأت تسأل: "كيف سأترك طفلي لساعات طويلة؟ وأين سأتركه؟".

في النهاية، حسمت قرارها بمواصلة العمل، وساعدها على إتخاذ قرارها وجود حضانة في المدرسة الخاصة التي تعمل فيها، ما جعلها قريبة من طفلها بشكل دائم. وتشرح: "في البداية، كنت أذهب للاطمئنان عليه بشكل متكرّر خلال ساعات العمل. مع الوقت، أصبحت أقل قلقاً، وأكثر ثقة بالرعاية التي توفرها الحضانة". ولم تعد تتركه لدى حماتها كما كانت تفعل في البداية. تقول: "كنت مطمئنة وهو عندها، لكن ذلك كان يتطلب وقتاً إضافياً لإيصاله قبل بداية العمل وأخذه بعد انتهاء العمل".
ترى آية أنها محظوظة، إذ إن كثيرات يتركن وظائفهن بعد الإنجاب، فيما تجد أخريات صعوبة في الالتحاق بسوق العمل نتيجة عدم توفر حضانات.

خلال السنوات العشر الأخيرة، لم تتجاوز نسبة مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل 14 في المائة، وهي نسبة متدنية في المنطقة والعالم. في هذا السياق، تسعى مؤسسة "صداقة - نحو بيئة عمل صديقة للمرأة"، إلى توفير حضانات في مؤسسات العمل، كونها أحد الحلول. وتشير دائرة الإحصاءات العامة الأردنية إلى أن 65 في المائة من العاطلات من العمل جامعيّات، في وقت تبيّن دراسة أجرتها "صداقة" في عام 2016 أن السبب الأول لاتخاذ النساء قرارهن بعدم دخول سوق العمل أو البقاء فيه هو عدم توفر حضانات لأطفالهن. وتلزم المادة 72 من قانون العمل صاحب العمل الذي تعمل لديه ما لا يقل عن 20 امرأة بتهيئة مكان مناسب في عهدة مربية مؤهّلة لرعاية أطفال العاملات الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات، على ألا يقل عددهم عن عشرة أطفال.

وتبيّن العضوة المؤسِسة في "صداقة"، سهر العالول، أن المادة 72 من قانون العمل لا تنطبق سوى على الشركات الكبرى، التي تشكل ما نسبته 2 في المائة فقط من الشركات في الأردن. وفي الوقت نفسه، فإنّ غالبية من ينطبق عليهم القانون في القطاعين الخاص والعام لا يلتزمون به. وبحسب أرقام شبه رسمية، من بين 137 مؤسسة في القطاع العام ينطبق عليها القانون، تتوفر الحضانات في 38 مؤسسة فقط، فيما تتوفر الحضانات في 90 مؤسسة خاصة من أصل 1230 ينطبق عليها القانون.

من جهتها، تقول رئيسة قسم التمكين الاقتصادي في مديرية عمل المرأة في وزارة العمل، إيمان العكور، إنّ "عدم وجود حضانات في المؤسسات يعدّ إخلالاً بمبدأ تكافؤ الفرص، فيما يبقى خيار استخدام الحضانة من عدم استخدامها شخصياً". وتكشف عن تهرّب أصحاب العمل من تطبيق القانون، والاكتفاء بتشغيل 19 امرأة حتى لا يطبق عليهم نص المادة 72 من قانون العمل.

تعمل سائقة سيارة أجرة في الأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس) 


وتقع على وزارة العمل مسؤولية التفتيش عن المخالفات المرتكبة من قبل المؤسسات، وحملها على تصويب أوضاعها، إلا أن عملية التفتيش لا تحصل بطريقة ممنهجة، بحسب العضوة المؤسسة في "صداقة"، رندة نفاع. وترى أنّ الاهتمام بملف الحضانات المؤسساتية يتعلق بمدى توفر الإرادة لتفعيل القانون.



في المقابل، يشكو قسم التفتيش في وزارة العمل من قلة الكوادر، ما يجعل العمل في غاية الصعوبة، ويحمّل العاملات جزءاً من المسؤولية لعدم تقدمهن بشكاوى حول عدم توفر "الحضانات المؤسسية". كذلك، تقول العكور إنه في أحيان كثيرة، يفضل أصحاب العمل دفع مخالفة أو غرامة على فتح حضانة، لأن الحضانة "تحملهم مسؤولية، وتنطوي على مخاطر في حال تعرض أي من الأطفال لمكروه، وتحد من إنتاجية العاملة لانشغالها خلال ساعات العمل بمتابعة طفلها".

على العكس من ذلك، ترى نفاع أن وجود حضانات في المؤسسات عامل محفز للإنتاجية، وتستند إلى دراسة متخصصة أعدتها المؤسسة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية تخلص إلى أن الحضانات في مكان العمل تحقق عائداً مالياً، لمساهمتها في زيادة الإنتاجية، وتقليل إجازات الموظفين، وتقليل تغيير الموظفين، ما يحقق وفراً سنوياً بقيمة 737 ألف دينار (نحو مليون و41 ألفاً و675 دولاراً).

ومنذ تأسيسها في عام 2011، ساعدت صداقة 55 مؤسسة على إنشاء حضانات، من خلال فريق عمل متخصص بالدعم الفني وتقديم المشورة. وفي مايو/ أيار الماضي، أطلقت "صداقة" إطاراً وطنياً للحضانات في المؤسسات، وتسعى لأن تتبناه الجهات المعنية، ويتضمّن إجراء تعديلات تشريعية وتبني نماذج مختلفة من الحضانات، ودعم المؤسسات العامة والخاصة، وتقديم حوافز للمؤسسات، وتوعية وتثقيف العائلات وأصحاب العمل. تقول العالول: "نهدف إلى كسب تأييد الحكومة لتبنّي المقترحات والتوصيات لتفعيل وزيادة انتشار الحضانات في المؤسسات، واعتبار الحضانات سلعة عامة متاحة للجميع بأسعار معقولة وبمعايير عالية الجودة".

أخيراً، تبنّت وزارة التنمية الاجتماعية، الجهة المسؤولة عن ترخيص الحضانات، جملة من مقترحات "صداقة"، عندما أعدت لجنة التخطيط مشروع نظام جديد للحضانات. وبحسب الناطق باسم الوزارة، فواز الرطروط، اعتمد نظام لتصنيف الحضانات بحسب جودتها، ومنح تسهيلات لترخيص الحضانات المؤسساتية من دون أن تمس التسهيلات جودة الخدمة والبيئة الآمنة. وما زال مشروع قانون العمل المعدل عالقاً في أدراج مجلس النواب، ويتضمّن تعديلاً على المادة 72 من القانون، ويقترح ربط المادة بعدد الأطفال وليس بعدد النساء العاملات، لقطع الطريق أمام تهرّب أصحاب العمل من تعيين النساء، وتعزيز مبدأ أن المرأة والرجل مسؤولان عن رعاية الأطفال.

ويُلاقي التعديل المقترح تأييداً من مختلف الجهات المعنية، إذ شرعت وزارة العمل في تطبيقه، حتى قبل تعديل القانون، بحسب ما تبين العكور، من خلال السماح لسبعة عاملين من الذكور بالاستفادة من الحضانة التي توفّرها الوزارة للعاملين.

دلالات
المساهمون