زواج الليبيين في الخارج... مأساة أخرى

08 ديسمبر 2017
خارج ليبيا (أحمد كوبا/ فرانس برس)
+ الخط -
بعض الليبيين الذين أجبرتهم الحرب على السفر إلى خارج البلاد يعيشون ظروفاً صعبة. فقد طالت فترة بقائهم في الخارج من دون حلحلة مشاكلهم القانونيّة. من جهة أخرى، ترتفع نسب الطلاق بين الليبيين في الخارج

المُهجّرون من مدنهم ومناطقهم في ليبيا من جرّاء الحرب إلى دول عربية مجاورة أو بعيدة، يُعانون الأمرّين. ما من مؤشّرات على حلحلة مشاكلهم في البلاد التي يعيشون فيها، من دون أن تلقى أي اهتمام من المسؤولين. ما زال هناك نحو نصف مليون ليبي خارج البلاد بسبب مواقفهم السياسية من ثورة فبراير التي أطاحت بنظام معمّر القذافي. ويتواجد معظم هؤلاء في تونس ومصر المجاورتين. ويعاني هؤلاء مشاكل كثيرة، خصوصاً أنّ فترة بقائهم خارج الوطن قد طالت. ونتجت عن الأمر زيادة نسب الطلاق، ما فاقم من معاناتهم.

يقول الناشط السياسي، حسن الصغير، الذي يعيش خارج ليبيا، إنّ "الزواج بين الليبيين في الخارج لم يتأسّس بشكل سليم. حتى أنه يمكن الإطلاق على بعضها زواج مصلحة، في وقت فشلت زيجات أخرى بسبب الاختلاف الثقافي وفي العادات والتقاليد. كما لم تحظ بعض الزيجات بموافقة عائلتي الزوجين، ما أدى إلى مشاكل مع الوقت، وكان الطلاق نتيجةً". كما يشير إلى أنّ الصعوبات المادية التي واجهها المهجّرون كانت سبباً في هرب شباب من مسؤولية الزواج والأسرة.

من جهتها، تقول عايدة ح. التي انتقلت إلى العيش في الإسكندرية: "تعرّفت إلى شاب من أسرة مهجّرة، وتزوجنا. وبعد ثلاث سنوات، طلّقني تزامناً مع توقف منحتي الدراسية بسبب تخرّجي من الجامعة". تشير إلى أن المنحة التي كانت قد حصلت عليها ساعدتها على الاستمرار وعائلتها، وكانت سبب ارتباط هذا الشاب بها.

وعن ظروف الفتيات الليبيات، توضح لـ "العربي الجديد" أن "الطلاق بات ظاهرة في الآونة الأخيرة"، لافتة إلى أن "الأسباب التي جمعت المهجرين في الخارج خلال السنوات الأولى للثورة لم تعد موجودة، ما يعني أن الترابط أو الألفة اختفت، فانعكس ذلك على أوضاع المقيمين في الخارج". وتلفت إلى أنّ الرجال تركوا زوجاتهم اللواتي ينتمين إلى عائلات مطلوبة في البلاد، لأن أسرهم عادت إلى ليبيا. وتصف عايدة هذه الزيجات بـ"المؤقتة".

ويقول الصغير إنّ "هناك أسباباً أخرى تتعلّق بأنماط العيش والاختلاف الثقافي. بعض الشباب الذين غادروا البلاد بسبب مواقفهم السياسية، والذين أصبحوا مطلوبين لدى السلطات في البلاد، تسرّعوا بالزواج من فتيات من بيئات مختلفة. إلا أن هذه الزيجات لم تستمر طويلاً بسبب الاختلاف الثقافي".

وعن ارتفاع نسب الطلاق، يقول الصغير: "ما من نسب، ولا توجد إحصائيات للمهجرين ولا رصد لأماكن وجودهم. لكن ما من شك أن الأمر بات ظاهرة لافتة. الزواج خارج الوطن، وإن استمر، تواجهه عوائق تتهدد مصيره، خصوصاً من الناحية القانونية". ويؤكّد الصغير أن عشرات عقود الزواج في الخارج تواجه مشكلة المصادقة عليها من قبل سفارات ليبيا، خصوصاً في مصر وتونس، إذ أن الكثير من المهجرين يواجهون صعوبة في الحصول على إقامة.

ويشكو الليبي الحاج فرج س. الذي يعيش في تونس، وضعه، حاله حال غيره من الليبيين. يقول: "يبدو أن قضيتنا باتت مثل أزمة المهاجرين غير الشرعيين". ويشير إلى أن ابنته التي تزوجت من أحد أبناء عمومتها ما زالت حتى الآن غير مسجلة لدى السفارة، بسبب الخوف من التعامل مع أسرته بوصفها مقرّبة من أبرز أعوان النظام السابق. في هذا الإطار، يروي الصغير مأساة امرأة ليبية تعيش في تونس وقد تزوجت من أجنبي. إلا أنه تركها وانسحب بشكل مفاجئ قبل أربع سنوات. يقول: "المشكلة في قضية هذه المرأة أنه يصعب تصنيفها. هل هي مطلقة أم زوجة؟". ويشير إلى أن هذه المشكلة تتسبب بمشاكل لها، إضافة إلى عراقيل قانونية، إذ ليس لدى أطفالها أي سند قانوني بسبب غياب الوالد الذي أخذ معه كل الأوراق الثبوتية أثناء هربه.

في السياق، تؤكّد اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان أن سلطات البلاد، ورغم تعيينها ملحقين اجتماعيين في السفارتين الليبيتين في كل من تونس ومصر، إلّا أنّها لا تفعل غير الوعود. وتُطالب اللجنة بضرورة أن تعمل الحكومة الليبية مع حكومتي مصر وتونس على إيجاد حلول عاجلة لملف المهجّرين الليبيين، وتقديم المساعدات المالية لهم، وتسهيل الإجراءات القانونية التي تسمح بحصولهم على جوازات سفر، وتسجيل المواليد وعقود الزواج، وضمان إلحاق الأطفال في المدارس، وتهيئة الظروف لعودتهم إلى الوطن. وطالبت المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين إلى ضرورة التدخل الإنساني والإغاثة للتخفيف من معاناة المهجرين الليبيين في دول الجوار، كمصر وتونس، وتقديم المساعدات الإنسانية التي يحتاجونها.
دلالات
المساهمون