هم في كلّ مكان. يحضرون إذا ما احتجنا قصصاً نكتبها أم مآس. يُسلّمون أرواحهم وينظرون إلى السماء.. ينظرون طويلاً؟ يودّعون عالماً لم يعترف بهم، ويتركون لنا ما بقي لهم من أقلام لنبتكر عناويننا. "أطفال اليمن.. قصّة قتْل مُعلَن/ ناشط بريطاني يعتذر من أطفال اليمن: يجب أن نوقف بيع السلاح للسعودية/ الصحة العالمية مصدومة لوفاة أطفال في اليمن بالدفتيريا/ يونيسف: اليمن أسوأ الأماكن للأطفال/ أطفال اليمن مهددون بالموت/ بين فقر وجوع وقهر .. أطفال اليمن يكافحون من أجل البقاء/ يونيسف: المساعدات التي وصلت نقطة في بحر.. فلا تحرمونا من مساعدة أطفال اليمن"، وكثير غيرها.
وما أهون أن نختار عناوين لهم. الموت حاضر، والجوع، والخوف، والمرض، والفقر... وهل نحتاج إلى أكثر؟ الموت يؤويهم وهم أحياء. ينظرون إلى بعيدٍ قد يكون فرجاً، لكن الأبواب مغلقة، حتى في وجه بارقة أمل.
قبل أيام، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن اليمن هو أسوأ الأماكن على وجه الأرض بالنسبة للأطفال، وحذرت من كارثة وشيكة إذا لم تصل المساعدات لأكثر من 11 مليون طفل. المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، خيرت كابلياري، قال إن التقديرات تشير إلى أن طفلاً واحداً يموت هناك كل عشر دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها.
وبعد، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن المساعدات الغذائية والطبية التي وصلت إليه تعدّ قطرة في بحر، وسط دعوات متزايدة إلى فتح كل المنافذ لإغاثة اليمنيين، في وقت كشفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن "حل مؤقت" لتوفير المياه النظيفة لمليون شخص في مدينتي الحديدة وتعز لمدة شهر.
تلك الصور مجدّداً. ولا يُنصفون، وقد غدوا حاجة إعلامية. هم في كلّ مكان. صورهم تعبر القارات ولا يتغيّر شيء. أسماء تلي أسماء. القصص نفسها عن أطفالٍ يموتون، هم الذين لم يعرفوا قبلاً أن الأطفال يمكن أن يموتوا، وكانوا ينتظرون الشعرات البيضاء والعكّاز.
هم بالملايين. الموت يتربّص بهم دفعة واحدة. وما حاجتهم إلى الحياة؟ ثمّة سياسة وسياسيّون وخرائط ونفوذ وربح وخسارة وسيطرة وخضوع. وهم ضعفاء. لا يريدون سوى لعبة، أو طابة يتقاذفونها في ما بينهم. يريدون غداً بسماء صافية وطيور تبحث عن أمكنة لها في هذا العالم. يريدون غطاءً في الليل. يريدون قليلاً من الخصوصيّة. ليتهم لا يعودون سبباً مغرياً لوسائل الإعلام. ليت الطابة تحطّم زجاج شباك الجيران من جديد.