بابا نويل

24 ديسمبر 2017
هو حقيقة (محمد عبد/ فرانس برس)
+ الخط -
حضرت الجنيّة في موعدها بعد منتصف الليل. لم تخذله. وضع سنّه تحت الوسادة، وتمنّى أن تُحدث صوتاً علّه يستيقظ ويراها. يعرف صورها المختلفة، وقد رسم لها صورة في مخيّلته. لكن لا بأس، هذه سنّه الأولى فقط، وما زال هناك مزيد. وضعت نقوداً ورحلت، وهذه كانت فرصته لتصديقها. هي جزءٌ من أحلامٍ تُقصّ عليه، وها هو يراها تتحقّق، مثل الهدايا التي يطلبها الأطفال من بابا نويل. يكتبونها ويصدّقون أنه سيجلب لهم ما يطلبون. ولماذا يفكّرون أن لا وجود له؟ بلى سيأتي، ويُحضر لهم أحلاماً صغيرة. سيحتفظون به في مخيّلتهم حلماً جميلاً حقّق بعضاً من أحلامهم.

بابا نويل حقيقة، وإن ألصق لحية بيضاء. فرح الأطفال يدلّ عليه. هو حقيقةٌ ينتظرها الأطفال عاماً بعد عام. حقيقة لا تملك روحاً، لكنّها تصنع أخرى. والروح هي تلك التي تعرف الابتسامات. ولماذا يعرف الأطفال كلّ الحقيقة؟ لن نكذب. بابا نويل حقيقةٌ في مخيلاتنا. ومثله، نبتكر أموراً أخرى تساعدنا على الاستمرار وسط الحقائق الكثيرة.

كيف سيدخل إلى بيوتنا وليس فيها مدفأة بمدخنة؟ وما معنى أن يقرع الباب مثلنا؟ أليس هو ذلك الذي يحقّق لنا بعضاً من أحلامنا الصغيرة التي لم تعد تتحقق حين حوّلناه إلى حقيقة، وبتنا نرتدي ملابسه، ونتصنّع ضحكته؟

الجنيّة تجلب المال، وبابا نويل يُحضر الهدايا، وتتحقّق الأحلام الصغيرة، ونصير قادرين على الحلم مجدداً. اليوم، وقد كبرنا، نستعيد أحلاماً قديمة، وقد تراكم بعضها فوق بعض، وفقدت رونقاً وطفولة. وبابا نويل لا يُرضي طفولةً لم تتحقّق في صغرنا، وقد قفزنا سريعاً وأنجبنا أطفالاً، وغدونا بابا نويل الذي يُحقّق أحلام الصغار. ونصرخ "هو هو هو"، ونقرع الأجراس، وعلى أكتافنا أكياس أمنياتهم تبدو كأنّها تسقط من السماء.

كتبَ أمنياته على ورقة، وقد طارت إلى بابا نويل. هذه حقيقة. الأهل لا يجلبون الهدايا. لا داعي لأن تكون الحياة منسّقة. ستأتي أحلامنا لتخدش هذا الترتيب، وسيسقط رجلٌ من السماء، من دون أن يكون هذا الحدث معجزة. سيجرّ عربة مليئة بالهدايا. الأطفال يريدون اللعب، والكبار يندمون على ساعات فاتت من دون أن يلعبوا فيها.

و"قول للزمان إرجع يا زمان". بابا نويل، هذه أمنية كبار كثر، صدّقوا أنّك كذبة ومجرّد ثياب دافئة، وخسروا هداياهم. أتسمع الأغاني؟ هي أيضاً مثلك. تأخذنا بعيداً عن الحقائق، ولو لوقت قصير. ونعود إلى الواقع وقد امتلأنا ببعض الأحلام التي لم يعد يهمّ إن كانت ستتحقق أم لا. هل ترى الأوراق التي تتطاير في السماء؟ هذه ليست غيوماً.
المساهمون