القدس في هاشتاغ

12 ديسمبر 2017
رفضاً لقرار ترامب (عصام ريماوي/ الأناضول)
+ الخط -
ثمّة استحضار لفترة ما، لأعوامٍ كانت فيها فلسطين القضية حدثاً. والقول إنّها لم تعد قضية إدانة لأنفسنا قبل الآخرين. بعض الكلمات كفيلة أن تُسقط فلسطين من كونها الخبر الأول، إلى أن يأتي حدثٌ يضعها مجدداً على الخارطة. حجارة ومواجهات وجرحى وشهداء. فلسطين ما زالت في مكانها تتآكل من خلال مستوطنات وحصار ومضايقات واعتقالات ومصادرة حقوق وغيرها كثير. ما زالت على حالها، وربّما أكثر سوءاً، قبل أن تتصدّر دول عربية أخرى المشهد. فلسطين في صعود وهبوط. سَئِم بعضهم من ذكرها والدفاع عن ناسها. ملّوا من التذكير بحقوقهم.

بين فترة وأخرى، تظهر تجاعيد كبار السنّ في الصور. عدسات الكاميرات تُفصّلها، وتقول إنّ ثمّة هموماً لا ترسمها غير الوجوه. وهم إمّا في بلادهم يعانقون أشجار الزيتون، أو في الخارج يبحثون عن سبيل إليها، أو تائهون بين فلسطين التي في الماضي و"الحياة" التي في المستقبل. حياةٌ خارجها، أي مجموعة من الكلمات تختصر الأمان والاستقرار وربّما النجاح وغيرها. أمّا مستقبل فلسطين، فمثل حبرٍ على ورق قديم، يكاد يبهت.

طفل فلسطين ما زال يخاف... يخاف كثيراً. الجندي الإسرائيلي نفسه، وربّما آخر، ما زال يعتقله. يشدّه من قميصه غير آبه لصراخه وبكائه. وعادة ما يخشى الأطفال الوحوش، وإن كانت تفاصيلها صغيرة. وهؤلاء الجنود كرّسوا أنفسهم ليكونوا وحوشاً، فالتهموا الجدات الفلسطينيات وناموا في أسرتهن في انتظار الأحفاد.

بضع مناسبات تكفي للتذكير بالقضية. في ذكرى النكبة نجمع صور المسنين وحملة المفاتيح وأطفالاً يتدربون على مناصرة بلادهم. نتذكر كل شيء ببرودة أعصاب. وماذا يمكننا أن نفعل؟ ثم نكتب بضع عبارات على مواقع التواصل الاجتماعي، ونكتب هاشتاغ تلو الآخر باللغتين العربية والانكليزية، وننتصر. ونقول لأطفال فلسطين إننا كتبنا كل كلمات الدعم من أجلهم. وندعو لعائلات جُرفت منازلها أمام أعينها بالصبر، ولا نعترف أن هذا المشهد بات أقل حدة من مشاهد الدماء المستجدة التي خزّناها في ذاكرتنا الحديثة على مدى الأعوام الماضية.

الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سرق القدس وأهداها إلى سارق آخر حين أعلنها عاصمة إسرائيل، ثم غمر الناس فلسطين بحبٍّ افتراضي. ولم نعد نعي أين نعيش، وعلى أي خارطة ولدنا، وبأي قضية آمنّا. صور وهاشتاغات تلغي الحدود بين الناس، وتنزع عنهم لحمهم ودمهم، وتحولهم إلى مجرد دمى افتراضية بلا روح.

وإن كتب الشاب الفلسطيني، محمود المصري، على "فيسبوك": "لو متنا عشاق شهادة مثل الشجر بأرض بلادي بنموت ونحنا واقفين"، قبل استشهاده، إلا أنه رفض أن يكون مجرّد حسابٍ في فضاء افتراضي.

المساهمون