مسارح العبث العربي

02 ديسمبر 2017
وما زال فلاديمير واستراغون ينتظران غودو(تورشتن بلاكوود/فرانس برس)
+ الخط -
ظهر أدب العبث في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ربما كنوع من التمرّد على الفظائع التي عرفها العالم بسبب الحرب، وازدهر مسرح العبث في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي شهدت فظائع أكبر من سابقتها.

يقول الكاتب والفيلسوف ألبير كامو (1913-1960): "لا أبغض العالم الذى أعيش فيه، ولكن أشعر أنني متضامن مع الذين يتعذبون فيه. إن مهمتي ليست أن أغيّر العالم، فأنا لم أعط من الفضائل ما يسمح لي ببلوغ هذه الغاية، ولكننى أحاول أن أدافع عن بعض القيم التى بدونها تصبح الحياة غير جديرة بأن نحياها، ويصبح الإنسان غير جدير بالاحترام".

لا يمكن بحال تجاهل أن العبث ينافس المنطق في الشأن العربي الراهن، ولا يتوقف العبث على الأحداث وحدها، وإنما يمتد إلى تعاطي غالبية المواطنين مع تلك الأحداث وكأنها تجري في كوكب بعيد عنهم، على الرغم من تأثيراتها المباشرة على كل تفاصيل حياتهم، وعلى مستقبل بلادهم وأبنائهم.

الأزمة الخليجية القائمة تعد مرحلة متقدمة من العبث الذي يتجاوز كونها أزمة سياسية اعتمدت على مغالطة تجسد الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتباره حاكم الكون الأوحد.

والقضية الفلسطينية تستحق أن تكون جزءاً من مسرحية صامويل بيكيت (1906-1989) العبثية الشهيرة "في انتظار غودو"، وما يجري في اليمن جريمة عبثية يموت فيها الأطفال وتسرق الثروات بينما العالم كله لا يحرك ساكناً، والوضع نفسه تقريباً في ليبيا. بينما الأوضاع في سورية والعراق وصلت ذروة متفاقمة من العبثية، وكأنها جزء من رائعة ألبير كامو العبثية "أسطورة سيزيف".

لا يملك أي عربي واع أن يتجاهل مقدار العبث في أزمة استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، مطلع الشهر الماضي، من العاصمة السعودية، وكل ما أثير عن احتجازه في الرياض، قبل أن يزورها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فيغادر الحريري إلى فرنسا، ثم يعود إلى بيروت ويتراجع عن استقالته مستخدماً مصطلح التريث.

والعبث نفسه متكرر في تفاصيل إعلان رئيس الوزراء المصري الأسبق، أحمد شفيق، ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة من الإمارات، ثم حديثه اللاحق عن منعه من مغادرة أبوظبي، وكون ذلك تدخلاً يرفضه في الشأن المصري، وهو التدخل الذي لم يلفت نظره طيلة سنوات سابقة.

يبدو أن العرب أعجبهم مسرح العبث، فقرروا تجسيد أعماله على أرض الواقع، فعلى غرار مسرحيات العبث، تتميز أغلب العلاقات العربية بأنها تتجاهل الزمان والمكان، وتعتمد على تبادل حوار غامض مبهم تعوزه الموضوعية، ويتحدث شخوصه طويلاً بلا منطق، ودون أن يتمكن من فهم الآخر، أو توصيل رسالته إلى الآخر.
المساهمون