الشتاء يهاجم النازحين في سيناء

30 نوفمبر 2017
نزوح من العريش (العربي الجديد)
+ الخط -

يعلم جيداً النازحون المصريون في سيناء أنّ معاناتهم لن تبلغ خواتيمها في القريب العاجل، لا سيّما أنّ الشتاء هنا وهم من دون بيوت تأويهم وتردّ عنهم ما يحمله معه هذا الفصل البارد.

يبدأ فصل الشتاء في محافظة شمال سيناء بالتزامن مع ازدياد في عدد النازحين، بسبب العمليات العسكرية التي يشنّها الجيش المصري في المحافظة، بالإضافة إلى مشروع الجيش القاضي بإقامة منطقة عازلة بين سيناء وقطاع غزة وصلت إلى المرحلة الرابعة منها وأدّت إلى نزوح آلاف المواطنين من سكان مدينة رفح الحدودية.

على مدى السنوات الماضية، راح النازحون من قراهم ومدنهم يتوزّعون في مناطق متفرّقة من جنوب مدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد، في حين ما زالت حركة النزوح مستمرّة خلال الأيام الحالية من مدينة رفح في اتجاه مدينتَي العريش وبئر العبد. فقد توجّه سكان المرحلة الثالثة من المنطقة العازلة في رفح إلى الصحراء أو مناطق قليلة السكان.

وقد عمد النازحون إلى بناء بيوت بلاستيكية بأسطح من "الزينقو"، في ظل عدم توفّر مواد البناء في مدينتَي رفح والشيخ زويد بالإضافة إلى الكلفة المالية التي سوف يضطر النازح إلى تحمّلها في حال أراد بناء منزل في مدينة بئر العبد، حيث أسعار الأراضي ومواد البناء - خصوصاً الحديد - في ارتفاع دائم.

ويشتكي المواطنون كذلك من انخفاض قيمة التعويضات التي صرفتها الدولة للنازحين من المرحلة الثالثة، نظراً إلى أنّ تنفيذها جاء في فترة تعويم الجنيه المصري التي رافقها ارتفاع في أسعار مواد البناء. فهؤلاء لم يستفيدوا مثل من سبقوهم في المرحلتَين الأولى والثانية، إذ تمكّنوا بمعظمهم من الاستفادة من التعويضات لبناء منازل جديدة أو شراء شقق سكنية في مدينتَي العريش وبئر العبد، فيما توجّه عدد منهم إلى محافظة الإسماعيلية.

جهاد عودة، واحد من هؤلاء النازحين، يخبر بأنّه ترك منزله قبل أكثر من شهر بأمر من الجيش المصري لتنفيذ المرحلة الثالثة من المنطقة العازلة في حيَّي الأحراش والإمام علي، وتوجّه برفقة عائلته المؤلّفة من تسعة أفراد إلى مدينة بئر العبد، نظراً إلى الهدوء الأمني النسبي وتوفّر الخدمات الأساسية فيها بخلاف مدينتَي الشيخ زويد والعريش. ويقول: "تمكّنت من شراء قطعة أرض من التعويضات التي صرفتها الدولة لنا، فيما بدأت قبل أسبوع ببناء منزل، جزء منه من الطوب وجزء آخر من النايلون". ويشرح: "سوف أبني غرفة وحماماً من الطوب، هذا ما تمكّنت منه. أمّا ما تبقّى من المنزل فسوف تكون جدرانه من النايلون وسقفه من الزينقو". وعودة، البالغ من العمر 52 عاماً، يضطر إلى النوم خلال الشتاء برفقة عائلته كاملة في الغرفة المبنية من الطوب، فيما يتوزّع أفراد العائلة في النهار في أرجاء البيت. ويشير إلى أنّه "في بيتنا كنّا عايشين ملوك، اليوم بقت حياتنا جحيم. بنقول للدولة شكراً على هذا التغيير الذي أصبحنا فيه".




تجدر الإشارة إلى أنّ المنطقة العازلة في مرحلتها الثالثة بلغت 1700 متر كمسافة من الحدود الفاصلة بين غزة وسيناء وما وصلت إليه المرحلة الثالثة، فيما تمتد 500 متر جديدة في الأسابيع المقبلة، بعدما أبلغ مجلس المدينة والجيش المصري المواطنين في حيَّي الصفا وابني بيتك بضرورة إخلاء منازلهم تمهيداً لجرفها نظراً إلى وقوعها في المرحلة الرابعة من المنطقة العازلة.

ويهدف الجيش المصري في نهاية إنشاء المنطقة العازلة إلى إخلاء مدينة رفح بالكامل من الوجود المصري وإبقائها كقطعة أرض خالية من أيّ منازل أو مناطق زراعية، مع ما يتسبّبه ذلك من تهجير عشرات آلاف السكان وتدمير آلاف المنازل والمباني الحكومية بسبب ما يسمّيه "الحرب على الإرهاب".

ويعلّق رئيس اتحاد قبائل سيناء إبراهيم المنيعي على الأمر قائلاً إنّ "أوضاع النازحين تزداد سوءاً مع مرور الأيام وابتداء فصل الشتاء، في ظلّ إهمال مؤسسات المجتمع المدني ومحافظة شمال سيناء لقضيتهم". ويشير إلى تلقّيه "عشرات الشكاوى حول صعوبة الأوضاع المادية والإنسانية للنازحين في مناطق متفرّقة من مدينتَي العريش وبئر العبد". ويؤكد المنيعي لـ"العربي الجديد"، أنّ "أوضاع النازحين الجدد من المنطقة العازلة أكثر سوءاً من أوضاع من سبقهم، نظراً إلى عدم تمكّنهم من بناء منازل أو شراء شقق سكنية"، داعياً السلطات المصرية إلى "توفير منازل متنقلة تأوي النازحين إلى حين تمكّنهم من بناء منازل جديدة بدلاً من التي دمّرها الجيش في مدينتَي رفح والشيخ زويد". ويطالب السلطات كذلك بـ"ضرورة وقف أعمال تهجير المواطنين، أو على أقلّ تقدير التوقّف مؤقتاً إلى حين انتهاء فصل الشتاء الذي تصاحبه رياح وأجواء باردة نظراً إلى المناخ الصحراوي في محافظة شمال سيناء".

وكان النظام المصري قد أعلن في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014، عن إقامة منطقة عازلة بطول 13.5 كيلومتراً وعمق 500 متر على الحدود مع قطاع غزة، عقب هجوم إرهابي استهدف قوات الجيش المصري وأسفر عن مقتل نحو 30 جندياً. لكنّ القوات الأمنية عمدت إلى توسيع تلك المنطقة لتصل إلى عرض كيلومتر واحد في ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه. وبعد تلك التوسعة، عمدت القوات المسلحة المصرية إلى توسعة ثالثة للمنطقة العازلة، إنّما من دون الإعلان عن الأمر، وسط سخط عارم بين أهالي سيناء الذين تضرروا من عمليات التهجير في انتظار التعويضات بعد هدم منازلهم. يُذكر أنّ البيانات تشير إلى أنّ المرحلتين الأولى والثانية شملتا هدم نحو 2000 منزل.