أهل الغوطة يشعلون الأثاث والقمامة بحثاً عن الدفء

23 نوفمبر 2017
يبيع ما تيسّر من حطب (سمير الدومي/ فرانس برس)
+ الخط -

مع حلول البرد والأمطار، يعيش أكثر من 350 ألف مدني محاصرين في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، فصلاً آخر من فصول الحرب والحصار والجوع والمرض والصقيع. باختصار، يعيشون اليوم فصلاً آخر يُضاف إلى فصول الأزمة التي لا تنتهي. هناك، الناس الذين بدأ البرد يبلغ عظامهم، يحتارون كيف يردّونه عن صغارهم في ظلّ فقدان وقود التدفئة والحطب أو غلائهما.

أبو شاكر، خمسيني وربّ أسرة مؤلّفة من سبعة أفراد، نزح قبل فترة إلى إحدى بلدات الغوطة الشرقية، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه "خلال الصيف، لم نكن قادرين على تأمين بعض الحطب أو النايلون لنتمكّن من طهي ما قد يتوفر من طعام أو نسخن قليلاً من الماء، فكيف لنا اليوم أن نؤمّن ما نشعله في وجه البرد؟". ويلفت إلى أنّه كسّر أبواباً داخلية في المنزل الذي يسكنه بالإضافة إلى بعض قطع أثاث تبقّت من العام الماضي، "لنتمكّن من الحصول على بعض الدفء. ونحن لا نشعل ناراً للتدفئة إلا في أيام البرد القارس. كذلك فإنّ تأمين الوقود لتلك الأيام يُعدّ تحدياً كبيراً. ففي اليوم الواحد نحتاج إلى خمسة كيلوغرامات من الحطب إذا كان جيداً، وثمنها نحو 1750 ليرة سورية (نحو أربعة دولارات أميركية). وأنا في حال توفّر لي عمل ما، لا أحصل إلا على ألف ليرة (نحو دولارَين اثنَين) فقط".

من جهتها، تخبر ابنة الغوطة الشرقية والناشطة النسوية، نيفين الحوتري، "العربي الجديد"، أنّ "العائلات في الغوطة الشرقية تعتمد في تدفئتها على مدافئ الحطب التي تختلف أسعارها بحسب حجمها ونوع معدنها، وهي تراوح ما بين ألف ليرة وخمسة آلاف (نحو دولارَين اثنَين - 11 دولاراً)، تُضاف إليها كلفة إمداداتها وكلفة الحطب. كذلك، تختلف أسعار الكيلوغرام الواحد من الحطب، ويصل سعر الحطب الناشف إلى 350 ليرة (أقلّ من دولار واحد)". وتلفت إلى أنّ "العائلات الفقيرة ترسل أفرادها لجمع كلّ ما هو قابل للاشتعال من الطرقات".

وتقول الحوتري إنّ "الشجر اليوم هو المصدر الرئيسي للحطب، لكنّه يكون عادة رطباً وصعب الاشتعال، لذا من خيارات العائلات تحطيم الأثاث الخشبي، على الرغم من أنّ خشبه يُعَدّ نوعاً رديئاً لأنّه سريع الاشتعال وكذلك سريع التحوّل إلى رماد. إلى خشب الأثاث، يُستخدَم الإسفنج والسجاد عندما تدعو الحاجة". وتشير إلى أنّ "ثمّة عائلات بدأت تبيع أثاثها وما يتوفّر لديها من بلاستيك بسبب حاجتها إلى المال. هي تبيعها لتأمين احتياجاتها الأساسية، وعائلات أخرى تشتريها لتشعلها وتتدفأ. كذلك، فإنّ أصحاب المنازل المدمّرة يبيعون أثاثهم ليستفيد منها من يحتاج إلى دفء".


وتتابع الحوتري أنّ "ثمّة عائلات تعتمد على التبن في تدفئتها، وهو قليل كذلك. وتلك العائلات هي التي تزرع ما تبقى من أراض زراعية صغيرة لم توضَع اليد عليها، بالقمح أو الشعير. من يزرع عباد الشمس أو الذرة يستفيد كذلك من الأعواد بعد تيبيسها". وتلفت إلى أنّه "في الشتاء، يلاحَظ انخفاض في كميات القمامة بصورة كبيرة، إذ إنّ العائلات بمعظمها تعمد إلى حرق المخلّفات وكلّ ما يمكن أن يشتعل في المواقد بهدف التدفئة". وتشرح أنّ "عائلات كثيرة لا تستطيع الحصول على الدفء إلا ممّا تجمعه من الطرقات. وبسبب كثرتها وقلة المتوفّر، فإنّ إشعال النار يقتصر في بعض الأحيان على فترة الطبخ، في ظل غياب الغاز المنزلي. سعر أسطوانة الغاز يصل إلى 100 ألف ليرة (نحو 225 دولاراً)".

إلى ذلك، توضح الحوتري أنّه من النادر أن يستخدم أحد اليوم المازوت للتدفئة بسبب أسعاره المرتفعة، موضحة أنّ "المازوت المنتج محلياً والمستخرج من البلاستيك، سعر اللتر الواحد منه ثلاثة آلاف ليرة (نحو سبعة دولارات). أمّا سعر اللتر الواحد من المازوت النظامي فهو نحو خمسة آلاف ليرة (نحو 11 دولاراً)، علماً أنّ المازوت يُستخدم عموماً لمولدات الكهرباء فقط".

من جهة أخرى، تشير الحوتري إلى أنّ "الأهالي اليوم يتخوّفون كذلك من عدم توفّر دعم لتدفئة المدارس، إذ إنّ الأطفال لا يحصلون إلا على قليل من الدفء". تضيف أنّ البرد ليس وحده الذي يؤذي هؤلاء، بل "يعاني الأطفال من أمراض لا سيّما التهابات في القصبات الهوائية، من جرّاء الدخان والغازات الناجمة عن إحراق البلاستيك والحطب الرطب". وتتابع أنّ ذلك يأتي "في ظل عدم توفّر الأدوية الضرورية".

وكان المستشار الخاص للمبعوث الأممي إلى سورية، يان إيغلاند، قد حذّر أخيراً من أنّ الوضع الإنساني في منطقة الغوطة الشرقية في سورية هو الأسوأ اليوم، ومن أنّ المعاناة الإنسانية للمحاصرين هناك مروّعة. وتخوّف من فصل شتاء قاسٍ على المدنيّين في سورية، خصوصاً الذين لا يملكون إلا القليل في غياب التدفئة في المنازل.