مساعدات اليمن برسم البيع

11 نوفمبر 2017
المساعدات له، ومن حقّه التصرّف بها (العربي الجديد)
+ الخط -

كثيرون هم اليمنيون النازحون الذين يرون أنفسهم اليوم مضطرين إلى بيع بعض المساعدات التي يحصلون عليها من المنظمات الدولية في مقابل مبالغ مالية تمكّنهم من توفير حاجيات أساسية أخرى وتأمين المال لتسديد بدلات إيجار المنازل التي يسكنونها على سبيل المثال أو تكاليف التداوي في المستشفيات أو رسوم مدارس الأولاد.

وتتنوّع تلك المواد المعروضة للبيع ما بين قمح وزيت وحليب وبقوليات، وتباع بأسعار أدنى من أسعارها المعتادة. أم أحمد من هؤلاء وهي لا تخفي أنّها تبيع ما تحصل عليه من مساعدات غذائية لتشتري بثمنها بعض الخضر والسكر ومواد غذائية أخرى لأفراد أسرتها. تقول أم أحمد النازحة من تعز (وسط) والتي استقرّت في صنعاء لـ"العربي الجديد" إنّ "ما نحصل عليه من المنظمات هو الطحين والزيت وقليل من الفاصولياء. لكنّ ثمّة سلعاً مهمة أخرى نحتاجها، لذا نبيع بعض المواد للحصول على مبالغ نقدية لشرائها". تضيف أنّه "من الصعب جداً الاستغناء عن بعض المواد الغذائية مثل الخضر والسكر والبقوليات الأخرى"، مشيرة إلى أنّها تبيع المساعدات بأسعار منخفضة "لكنّني لا أملك خيارات أخرى".

من جهته، يعترف النازح جلال عبد الغني بأنّه يبيع قسماً ممّا يحصل عليه، معللاً ذلك بحاجته إلى المال لتأمين أشياء أخرى مهمّة لا تتضمّنها تلك المساعدات الشهرية التي تقدّمها المنظمات الإغاثية. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "طفلاً من أطفالي يعاني من مشكلات في التنفّس، وأضطر إلى اصطحابه إلى الطبيب وشراء أدوية بين حين وآخر. وليس أمامي إلا بيع بعض المساعدات لتسديد تكاليف العلاج، على الرغم من حاجتي إلى تلك المساعدات". يضيف عبد الغني أنّ "المنظمات توزّع علينا شهرياً الطحين والزيت والفاصولياء، وعلى الرغم من حاجتي إليها فإنّني أضطر إلى بيعها بسعر منخفض. وأبيع الطحين على سبيل المثال، لقاء خمسة آلاف ريال يمني (نحو 20 دولاراً أميركياً)، في حين يبلغ سعره سبعة آلاف أو ثمانية (نحو 28 دولاراً أو 32)".



أمام مراكز توزيع المساعدات الإنسانية للنازحين في صنعاء، عشرات يشترون الحصص الغذائية من النازحين لقاء مبالغ زهيدة مستغلّين حاجتهم إلى المال، قبل أن يبيعوها في السوق بسعر أعلى أو يستهلكوها بأنفسهم. يقول محمد الوصابي لـ "العربي الجديد" إنّه يعمد إلى "شراء المساعدات الغذائية من النازحين الراغبين في بيع حصصهم، قبل أن أنقلها إلى التجار وأحصل على نسبة من الأرباح. فهؤلاء يبيعونها بربح كبير بالمقارنة مع سعر الشراء". ويؤكد أنّ "ثمّة تجّاراً يتاجرون بالمساعدات الغذائية التي تُقدَّم للمحتاجين والمتضررين من الحرب، ويملكون مخازن كبيرة يحفظون فيها تلك المساعدات". يُذكر أنّ النازحين الذين يرغبون في بيع حصصهم من المواد الإغاثية، يقصدون تجّاراً معروفين، وذلك لقاء أسعار زهيدة قد يصل بعضها إلى نحو 30 في المائة فقط من القيمة الفعلية".

في السياق، يعيد أسامة يحيى وهو موظف في إحدى المنظمات الإغاثية التي توزّع مساعدات غذائية، "هذه الظاهرة إلى عدم التنسيق بين المنظمات والنازحين، بهدف فهم احتياجاتهم". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّه "من الضروري معرفة ما يحتاجه المتضرر من الحرب بالضبط، والسبب الذي يجعله يبيع المساعدات لتوفير احتياجات أخرى".



بهدف مواجهة هذه المشكلة، يقترح الناشط اليمني في المجال الإنساني أنس الصوفي، "توزيع استبانة على النازحين لمعرفة احتياجاتهم، بدلاً من توزيع مساعدات قد لا يستفيدون من معظمها، فيضطر كثيرون منهم إلى بيعها للحصول على مال لشراء مواد أخرى". ويشير الصوفي الذي يرأس إحدى منظمات المجتمع المدني في صنعاء لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ المنظمات الدولية العاملة في اليمن تواجه تحديات ومشكلات عدّة أفرزتها الحرب وتبعاتها، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو في مناطق الشرعية. ويؤكد أنّ المنظمات "تعاني من ابتزاز السلطات المحلية من خلال أخذ نسبة من المساعدات أو فرض كشوفات بأسماء المستفيدين، بالإضافة إلى منع إنشاء مخيّمات جماعية للنازحين، وهو الأمر الذي يمثّل صعوبة في توفير المساعدات وعدم وصولها إلى المستحقين". ويوضح أنّ "النازحين بمعظمهم يسكنون لدى أقارب لهم أو أصدقاء، الأمر الذي يزيد من الضغط على الموارد الضئيلة للمجتمعات المستضيفة. إلى هؤلاء، ثمّة من يعيش في أماكن إيواء غير ملائمة".

وتزداد حاجة النازحين في اليمن إلى مساعدات غذائية وإنسانية مع استمرار الحرب، ومع تراجع التمويل المقدّم للمنظمات الدولية، وهو الأمر الذي يجعلها عاجزة عن توفير المساعدة اللازمة لعدد كبير من النازحين الموزّعين على مدن يمنية مختلفة. وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فإنّ عدد النازحين في البلاد تخطّى 1.9 مليون نازح يعيشون حياة غير مستقرة وسط المخاطر ويكافحون من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية. فاليمن يعيش أكبر مأساة إنسانية في العالم، إذ إنّ 20 مليون شخص هم في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة من مجموع السكان البالغ 28 مليون نسمة، من بينهم سبعة ملايين يعانون في الأساس من انعدام الأمن الغذائي.