المسيحيون الأردنيون... شركاء في الوطن

03 أكتوبر 2017
إيمان وتضرّع (فرانس برس)
+ الخط -

لا يمثّل المسيحيون في الأردن اليوم سوى نسبة متواضعة من مجموع أهل البلاد، غير أنّه لا يمكن إنكار حقيقة أنّهم يتحدّرون من أوائل المؤمنين بالمسيحيّة.

عند الضفة الشرقيّة لنهر الأردن، في الموقع الذي يُطلَق عليه اسم "المغطس"، اعتمد السيّد المسيح قبل نحو ألفَي عام. والمسيحيون الأردنيون، يمثّلون واحداً من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم، غير أنّ عددهم اليوم متدنٍّ، وتشير إحصاءات إلى أنّهم يمثّلون ثلاثة في المائة من مجموع سكان البلاد البالغ عددهم نحو تسعة ملايين ونصف المليون نسمة.

تفيد دراسة صادرة عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن في عام 2012، بأنّ المسيحيين الأردنيين يتوزّعون على النحو الآتي: 120 ألفاً من الروم الأرثوذكس، و33 ألفاً من الروم الملكيين الكاثوليك، وخمسة آلاف من اللاتين، ومثلهم من الأرمن الأرثوذكس، وسبعة آلاف من البروتستانت، و3300 من السريان الأرثوذكس، و1300 من الأقباط، و600 من السريان الكاثوليك.

تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة طوائف أخرى لا تتوفّر إحصاءات حولها، بالتالي لا يمكن تحديد عدد المنتمين إلى الكنيسة المارونية، ولا إلى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وكنيسة الكلدان الكاثوليك، والكنيسة الإنجيلية اللوثرية، والكنيسة المعمدانية، وغيرها.

إلى جانب المواطنين المسيحيين، استقبل الأردن، خلال السنوات الماضية، عشرات آلاف المسيحيين الفارين من الصراع في سورية والعراق، وهو الأمر الذي يُعدّه الأب خليل جعّار، وهو راعي كنيسة اللاتين في ماركا، "جزءاً من مسؤوليتنا الإنسانية". ويشير إلى أنّ الأردن لا يكتفي بتقديم نموذج متفرّد في العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، بل يدافع عن الوجود المسيحي في المنطقة، من خلال استقبال المسيحيين الفارين من الصراعات في بلدانهم وإغاثتهم. والأب جعّار الذي عمل في إغاثة مسيحيي العراق وسورية، يقول: "نحثّهم على البقاء في الأردن إلى حين استقرار الأوضاع في بلادهم وعودتهم إليها".

يحملون الشموع ويرتّلون (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)


ويُصار الحديث عن عيش مشترك في البلاد بين المسلمين والمسيحيين، يعيد جعّار جذوره في تاريخه الحديث إلى الروابط بين العشائر المسيحية والعشائر الأردنية التي سبقت قيام الدولة الحديثة. يقول: "نسج أبناؤنا وأجدادنا روابط قوية ومتينة قائمة على الاحترام المتبادل بين العشائر. وبعد قيام الدولة الحديثة استمرت العلاقة وعزّزها النظام السياسي الذي تعامل مع الجميع على قدم المساواة من دون تمييز على أساس الدين".

من جهته، يقول الباحث والمفكر الإسلامي، الدكتور حمدي مراد، إنّ "النموذج الأردني في العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين نموذج متفرّد على مستوى المنطقة، بل على مستوى العالم". ويؤكد مراد، الذي يشغل عضوية المركز الأردني لبحوث التعايش الديني، أنّ "العيش المشترك له تاريخ طويل، وقد ترافق مع دخول الإسلام إلى الأردن (...) وتشير الروايات التاريخية إلى أنّ المسيحيين في المنطقة قاوموا حروب الفرنجة (الحروب الصليبية) ونظروا إلى الأوروبيين كغزاة".

في سياق متصل، لا يشتكي المسيحيون الأردنيون من حجم تمثيلهم في الشأن العام، فمنذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة لم تخل أيّ حكومة من وزراء مسيحيين. لكنّه وعلى الرغم من عدم وجود نصّ دستوري يمنع تكليف مسيحي برئاسة الحكومة في الأردن، فإنّه لم يسبق أن كُلّف مسيحي بتشكيل حكومة. ويقول هنا الباحث في حرية الأديان، فيليب مدانات، إنّ "عدم ترؤس الحكومة لا يؤرّق المسيحيين، وغيابهم عن هذا المنصب السياسي لا يمثّل أزمة لهم". ويذهب أبعد من ذلك ليشير إلى تخوّف في صفوف المسيحيين من تقلّد هذا المنصب، حتى لا ينعكس فشل من يتقلّده - في حال حدث ذلك - سلباً على المجتمع المسيحي.




إلى ذلك وعلى صعيد السلطة التشريعية، يخصّص قانون الانتخاب تسعة مقاعد للمسيحيين في مجلس النواب (الغرفة التشريعية الأولى) من مجموع مقاعده البالغ عددها 130 مقعداً، كذلك هم ممثّلون في مجلس الأعيان (الغرفة التشريعية الثانية). وهو تمثيل يصفه مدانات بـ "المنصف". يُذكر أنّ المسيحيين في السلطة القضائية يُعيَّنون قضاة في كلّ المحاكم، باستثناء المحاكم الشرعية الإسلامية. أمّا الحضور المسيحي الأوضح، فيأتي في المجال الاقتصادي، إذ يستحوذون على أكثر من 30 في المائة من المشاريع الاقتصادية، وفقاً لتقديرات غير رسمية، ويحافظون على نفوذ كبير في قطاع الصرافة والبنوك.

تجدر الإشارة إلى أنّه في الفترة الأخيرة، ظهر توتّر متقطع بين المسيحيين والمسلمين، تجاوز حدّ المشادات الكلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، فسُجِّلت حالات شغب محدودة في بعض المناطق. وكانت حالات توتّر محدودة قد قامت في السابق، نتيجة اعتناق مسيحيّين الإسلام أو بسبب نشاطات تبشيرية لجمعيات مسيحية بين المسلمين، لكنّه بعد ظهور التنظيمات الإرهابية التي تدّعي مرجعية إسلامية وبروز مؤيّدين لها داخل المجتمع الأردني، صار التوتّر يأخذ منحى مقلقاً، ومن أشكاله ترويج بعض الفئات لعدم جواز مشاركة المسيحيين في أفراحهم وأتراحهم، وعدم الترحّم على موتاهم، الأمر الذي استدعي تدخّل دائرة الإفتاء لحسم الجدال.

وفي حين يؤكّد مراد أنّ حالات التوتر المحدودة لا تعبّر عن واقع العلاقة الإسلامية المسيحية في الداخل الأردني ويتّهم جهات خارجية بالعمل على بثّ التفرقة داخل المجتمع الأردني، يرى جعّار في ما يحدث دليلاً على صحة المجتمع. فيقول: "نعرف أنّ المجتمع يتمتّع بمناعة عندما يتعرّض للأمراض ويقاومها. ما شاهدناه من تحريض ليس مهماً، بل المهم هو النتيجة التي تجلّت بقهر التحريض وانتصار تماسك المجتمع". لكنّ مدانات يشير إلى مشاعر حزن أثّرت على المجتمع المسيحي نتيجة التحريض الذي ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أنّ "تلك المشاعر لم تصل إلى مرحلة الذعر، ولم تصل إلى مرحلة توجيه الاتهام إلى عموم المسلمين (...) وتلك المشاعر لا تظهر في الأحاديث العلنية إنّما يجري التطرق إليها في الصالونات المغلقة". وعلى الرغم من ذلك، يُنظر إلى الأردن كنموذج فريد في العيش المشترك، إذا ما جرت مقارنته بدول المنطقة وغيرها من البلدان.