حول فنجان قهوة

09 يناير 2017
لا أحب القشوة (رسم فؤاد هاشم)
+ الخط -
بعد جولة قصيرة في شارع الحمراء في بيروت، والتنقل أمام واجهات المحلات المختلفة، أدرِكُ كم لهذا الشارع طقوسه الخاصة.

وصلنا إلى مقهى في أحد الزواريب. كان المكان مزدحماً، فسألنا عن طاولة لشخصين وكان علينا أن ننتظر قليلاً. طلبنا ركوة قهوة عربية أو تركية كما يسميها البعض. تفحّصت بسرعة ما وصلني على هاتفي الذكي من رسائل وتعليقات على "فيسبوك"، وأعتقد أنها فعلت الأمر نفسه. صببتُ القهوة في فنجانها أولاً، ليس من باب اللياقة بل لأنني لا أحب القشوة (الرغوة التي تطفو على وجه القهوة). شربنا القهوة وتحادثنا، ورمينا التحية على أصدقاء مرّوا بالصدفة.

كان حديثاً طويلاً غاص في الفن والسياسة وآخر قراءات الكتب، ومشاكل العمل والصدامات العائلية العادية، والتفكير بالهجرة نحو الوجهة الأفضل. تذكّرنا الطفولة وهوايات ضاعت مع الزمن وأخرى لاتزال ترافقنا حتى اليوم.

أنظر إلى فنجانها الفارغ، وأمدُّ يدي فأقلبه في الصحن الزجاجي. وكخبير في قراءة الفنجان، دعوتها لنبصّر قليلاً. ضحكت موافقةً على المشاركة في اللعبة وسألت مبتسمة: "آه. بتعرف تبصّر؟". أجبتُ بأنني أعرف القليل فقط وأني أعتبر ترسّبات البن في الفنجان عملاً فنياً وأتعامل معها على هذا الأساس.

أقلّب الفنجان بين أصابعي. أتأمّل الأشكال التي رسمها تفل القهوة، وأطلب منها أن لا تقاطعني بالكلام. أمارس دور الخبير. مع ذلك، لم تلتزم وقاطعتني مراراً. بعد مسح سريع لكامل الفنجان أبدأ بقراءة دائرية عكس دوران عقارب الساعة. أشرح لها عن الأشكال الموجودة على أطراف الفنجان، وعن الأشخاص والطيور المختلفة الأحجام والمياه الجارية والعيون الحاسدة، وعن الأحرف والأرقام. أخبرها عن الرزق الوفير، وأن هناك خبراً سعيداً في الطريق وأن غيمةً سوداء ستنجلي. وكلّما أخبرتها عن شيء طلبت مني أن أريها شكله في الفنجان، وأن أغوص في الشرح أكثر. وفي بعض الأحيان فكّت بنفسها رموز فنجانها. وأنا من جانبي سعدتُ بمداخلاتها العفوية، التي كانت تخرج الحديث من قلب الفنجان إلى عوالم أخرى.

تبادلنا الفناجين والأدوار وصارت هي قارئة فنجاني. لم تقل لي يا ولدي لا تحزن. ولم تقل لي إن السماء ستمطرني بالمال والصحة والنجاح. بل إن شرحها للرموز زاد الرموز تعقيداً على تعقيد.

مرّ الوقت سريعاً من دون أن نشعر كلانا به. ذهبتْ هي إلى عالمِها، وذهبتُ أنا إلى دراجتي النارية. سنلتقي مجدداً. أعرف الآن أننا سنلتقي مجدداً.

المساهمون