ما حدث كما يقول ابنها، رأفت صب لبن لـ"العربي الجديد"، هو أن المستوطنين هدموا الجدار الفاصل بين العقار ومخزن العائلة، ومنه تسللوا إلى المخزن ليباشروا مزيدا من أعمال الحفر والهدم وتغيير المعالم، قبل أن يوقفهم خبراء من سلطة الآثار الإسرائيلية الذين ما لبثوا أن حضروا إلى المكان وأجبروهم على وقف أعمال الحفر، دون أن يطلبوا منهم مغادرته.
فيما منع أفراد من قوات الاحتلال عائلة صب لبن وهم: والدة رأفت وشقيقه أحمد من دخول المخزن، بدعوى أن قرارا من محكمة إسرائيلية صدر في العام 2001 يمنع العائلة من عقارها بعد أن أخلاها منه، ومثل هذا القرار تجدد في العام 2014.
وفي جلستها الأخيرة، الشهر الماضي، قررت المحكمة العليا الإسرائيلية، إبقاء العائلة بمنزلها لمدة عشر سنوات، استثنت المخزن من قرارها، وظل أمر الاستيلاء عليه وتمكين المستوطنين منه قائما، وبالتالي ظل هؤلاء داخل المخزن وما زالوا متواجدين فيه بحماية قوات الاحتلال التي سارعت إلى التذرع بقرار المحكمة لضمان بقاء المستوطنين فيه.
يبدي رأفت أسفه لأن خطوة التوجه إلى القضاء مرة أخرى تكاد تكون ضعيفة جدا، ويقول: "للأسف لا خطوات قانونية بإمكاننا اتخاذها في هذه المرحلة. مع ذلك سنفحص مع المحامي ما يمكن القيام به لمواجهة هذا التعدي الجديد على جزء من عقار العائلة يتعرض كل يوم لمحاولات الاستيلاء والسيطرة والاغتصاب".
والدة رأفت وأحمد، المقدسية نورة غيث، كانت أول من اندفع نحو المخزن محتجة على اقتحامه من قبل المستوطنين، قبل أن ينضم إليها نجلها أحمد وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، وخبير في شؤون الاستيطان والعقارات.
في مواجهتها ومشاداتها الكلامية مع أحد قادة المستوطنين المتزعم لجمعيات الاستيطان اليهودية، كانت أكثر حزما وهي تؤكد له بقاءها في منزلها المهدد بالاستيلاء، وأنها لن تغادره حتى آخر يوم في حياتها. وقفت "أم أحمد" كما كان عليه الأمر في مناسبات سابقة من مواجهات مستمرة مع المستوطنين، قبل أن تحضر قوات الاحتلال وتجتمع حولها أعداد من المستوطنين، بالإضافة إلى عدد من المواطنين المقدسيين، إذ تواصل الجدل حول اقتحام المستوطنين للمخزن، والطريقة التي غالبا ما يلجؤون إليها للتسلل من عقار إلى آخر تماما مثل اللصوص كما يقول سكان عقبة الخالدية، وعقبة السرايا المجاورة.
كان المستوطنون فعلوا ذلك في الاستيلاء على عقار الحاجة رفيقة السلايمة، قبل أن تتوفى بعد صراع معهم استمر نحو ربع قرن دون أن تسلمهم إياه أو ترفع الراية البيضاء، ولم يتمكنوا منه إلا بعد وفاتها مستغلين قانون الجيل الثالث الذي يخلي قاطني العقارات من الجيل الثالث من المقدسيين، ويسلمه إلى جمعيات الاستيطان أو إلى حارس أملاك الغائبين بداعي أنها أملاك يهودية قبل العام 1948.
وبالإضافة إلى نورة غيث – التي لا تزال تقف صامدة في مواجهة تغول هذه الجمعيات الاستيطانية – يروي المقدسيون ومنهم المربي هايل صندوقة خبير الاستيطان والعقارات في البلدة القديمة من القدس، في حديث لـ"العربي الجديد"، حكاية مواطنة مقدسية أخرى هي نائلة الزرو التي كانت تقطن في ذات العقار الذي استولى مستوطنون عليه من الحاجة رفيقة السلايمة، علما أن المواطنة الزرو كانت خاضت هي الأخرى صراعا لأكثر من عشرين عاما مع المستوطنين .. مرة تسترد العقار ومرة أخرى يستولون عليه، إلى أن تمكنوا من السيطرة عليه بصورة نهائية ومطلقة، مدعومين بغطاء سياسي وبما أصدرته محاكم الاحتلال المختلفة من قرارات لصالح المستوطنين.
كانت بداية صراع نائلة الزرو مع هذه الجمعيات الاستيطانية في مستهل ثمانينيات القرن الماضي، حين استغلوا غيابها لدى مرافقتها لوالدتها التي كانت في رحلة علاج بالأردن، ليقتحموا المنزل ويستولوا عليه، وحين عادت خاضت صراعا مريرا معهم في المحاكم، فاستردته ومكثت فيه لسنوات، ثم استأنف المستوطنون وعادوا إليه بقرار من محكمة إسرائيلية مكنتهم من السيطرة عليه نهائيا.
مقابل مخزن عائلة المواطنة المقدسية نورة غيث صب لبن، ومن فوقه وحوله تنتشر عديد البؤر الاستيطانية لجمعيتي "عطيرت ليوشناه" وعطيرت كهانيم"، إضافة إلى المقر العام للجمعيات الاستيطانية في ذات الحي، ويقيم متتياهو دان عراب الاستيطان اليهودي في البلدة القديمة، وتطل مكاتبه عليها وعلى المسجد الأقصى من ناحية الغرب، بينما تحولت أسطح المباني فوق المكاتب إلى مسارات للمستوطنين في تنقلهم بين البؤر الاستيطانية في البلدة القديمة، وما يعرف بالحي اليهودي الذي أقيم على أنقاض حارة الشرف الفلسطينية عشية عدوان يونيو/ حزيران عام 1967.
وفق معطيات يعرضها صندوقة على "العربي الجديد"، فإن نحو 80 بؤرة استيطانية في عشرات العقارات تمكن المستوطنون من الاستيلاء عليها منذ العام 1967، علما بأن بدايات عمليات الاستيلاء هذه كانت بعد مقتل مستوطن يهودي يدعى الياهو عميدي في العام 1983 طعنا على يد شابين فلسطينيين من مدينة جنين.
ويقطن هذه البؤر الاستيطانية عشرات من غلاة المستوطنين المتطرفين وجنود وضباط سابقون تحولوا إلى التدين والتطرف اليميني، بالإضافة إلى مجموعات تطلق على نفسها "التائبون"، وهم يهود تحولوا أيضا إلى جمعيات الاستيطان المتطرف، وباتوا نشطاء فيها، سواء في مدارسها التلمودية المتاخمة للأقصى، أو في الكنس اليهودية سواء تلك التي في باطن الأرض أو حول الأقصى والقريبة منه، ومن هؤلاء من يتدربون على مهام كهنة الهيكل الذين سيتولون إدارة شؤون الهيكل بعد بنائه على أنقاض المسجد الأقصى، بحد زعمهم.