عنف ضدّ النوع في موريتانيا

18 يناير 2017
ربّما ينتظرن إقرار القانون بفارغ الصبر (فرانس برس)
+ الخط -
يثير قانون "العنف ضدّ النوع" الجديد في موريتانيا ردود أفعال متباينة منذ طرح في البرلمان. رافضو المشروع يعزون السبب إلى بعض المواد التي تخالف الشريعة الإسلامية ولا تنسجم مع قيم المجتمع المحافظ، بعكس المدافعين عنه، والذين يتحدثون عن التغيير الذي سيحدثه في المجتمع، خصوصاً لناحية معالجة قضايا العنف ضد المرأة وتحديد سن الزواج.

منذ الإعلان عنه، أثار مشروع القانون جدالاً كبيراً في البلاد، امتدّ إلى وسائل التواصل الاجتماعي. حتّى إنّ المعارضة اتّهمت النظام بطرح هذا القانون لشغل الناس عن أخطاء الحكومة وفشلها في معالجة المشاكل الاقتصادية وتردّي الأوضاع المعيشيّة.

هذا القانون الذي يُعطي حقوقاً للنساء دفع الأوساط المحافظة إلى معارضته، كونه مستوحى من القوانين الغربية، وقد صيغ بما يناسب الحركات النسوية التي عملت جاهدة في الفترة الأخيرة لدعم حقوق النساء. ويفرض القانون الجديد "عقوبات قاسية" بحقّ المعتدين لفظياً أو معنوياً أو جسدياً ضد النساء. وتشمل هذه العقوبات الإعدام والجلد والنفي والسجن والتغريم، ما أثار حفيظة كثيرين، من بينهم الفقهاء وعلماء الدين الذين يمارسون ضغوطاً على الحكومة للتراجع عنه.

ويتضمّن القانون خمسة فصول عن العقوبات بحق مرتكبي الجرائم أو الجُنح ضد النساء، والاعتداءات الجنسية، وكيفية الحماية منها، والعناية بالنساء ضحايا الاعتداءات الجنسية. وبين العقوبات الأكثر جدالاً في القانون الجديد، عقوبة الإعدام للمتهم بالاغتصاب، والسجن من سنة إلى سنتين لكلّ زوج يقيّد شريكته أو يمنعها من ممارسة كل ما يتعلق بالحريات العامة. كذلك، يمنح القانون الجديد المرأة الحق في ممارسة حريتها في الخروج والقيام بأي نشاط ترغب فيه وفي أي وقت من دون إذن من زوجها. ويعاقب القانون كلّ زوج يعرّض زوجته لممارساتٍ لا إنسانية، مثل الضرب والإهانة، بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة مالية. كذلك، يخصّص القانون عقوبة خاصة لـ "الشتم"، وهي السجن من عشرة أيام إلى سنتين لكل زوج يشتم زوجته بعبارة مهينة يمكن أن تمس كرامتها أو شرفها.

ومن بين الفقرات الأكثر إثارة للجدل أيضاً، معاقبة أولياء الأمور الذين يُزوجون بناتهم قبل بلوغهن 18 عاماً، وقد عارض موريتانيون هذه الفقرة، واعتبروا أنها تخالف تعاليم الدين الإسلامي ولا تحترم الخصوصية الموريتانية. واللافت أن القانون ينصّ على شرعية الزواج من فتاة لم تتم 18 عاماً، إلّا أنه يعرض ولي أمرها للسجن من ستة أشهر إلى خمس سنوات، وغرامة مالية.



كذلك، جعل القانون بعض العقوبات أكثر قساوة، وأصبح المتهم بجريمة "زنا المحارم" معرضاً للحكم بالإعدام، بينما ألغى الرجم كعقوبة للزاني المحصن، ليكون البديل إعدامه بواسطة الجلد حتى الموت. أيضاً، ينص القانون على عقوبات جديدة في حال كان المتهم بالاعتداء الجنسي على علاقة بالضحية، أو ارتكب الفعل جماعياً، أو كانت الضحية "هشة"، أو في حال تورّط شخصيات معنوية في الجرائم. كما يعاقب القانون كلّ من يتستر أو يتقاعس عن الإبلاغ عن أي اعتداء جنسي، ويمنحُ المحاكم الحق في متابعة قضايا مرتكبي أعمال العنف ضد النساء.

ويعرّف القانون الجديد التحرّش بأنه "كل لفظ أو فعل أو معاكسة أو إيحاء أو إشارة أو تصرف له معنى جنسي أو مبني على الجنس، مع الأخذ بعين الاعتبار النشاط الجنسي الحقيقي، والذي يهدف إلى انتهاك حقوق المرأة وكرامتها، أو خلق محيط مخيف ومعاد ومهين أو فاضح". ويعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى سنة مع غرامة مالية، وهي العقوبة نفسها بحق كلّ من فرض سلوكاً أو تصرفاً على زوجته.

في هذا السياق، يقول أحمد ولد الشريف (42 عاماً) إن أكثر ما لفته في القانون الجديد هي التشريعات التي تتناسب والعصر الحالي، وتتصدى للابتزاز وتقييد حرية النساء، وتعاقب على التستر وعدم التبليغ عن الجرائم، وتمنح الجمعيات حق مساندة الضحايا قضائياً. يضيف أنه في ظل كثرة جرائم ابتزاز النساء، حتى من قبل أزواجهن، وتهديدهن بنشر صورهن وأسرارهن الشخصيّة، بات ضرورياً أن يكون هناك قانون جديد رادع. من هنا، يلفت إلى أنه يدعم هذا القانون الذي ينصّ على معاقبة كل من يهدد زوجته بترويج معلومات تمسّ شرفها بالحبس من سنة إلى سنتين مع دفع غرامة مالية.

من جهتها، ترى مليكة بنت سيدي أحمد (33 عاماً) أنّ القانون الجديد يهدف إلى مواجهة ظاهرة العنف ضد النساء، وهو تشريع مهم جاء في وقته للحد من زيادة نسبة الاغتصاب والتحرش والعنف بحق النساء في موريتانيا. وترى أنّه "بات يمكن معاقبة مرتكبي جرائم العنف بحسب القانون الجديد، والذي يقدّم الدعم للضحايا ويؤمّن متابعة قضاياهن لدى القضاء مجاناً". وتقول مليكة إن هذا القانون انتصار للمرأة بعد كل هذه السنوات التي اعتمدت فيها على المحيط العائلي لمؤازرتها ونيل حقوقها عقب الطلاق أو الاعتداء عليها. ومع الوقت، سيؤدي إلى تحرير المرأة من قيود المجتمع القاسية.

ربّما تنتظر كثيرات إقرار القانون بفارغ الصبر، علّه ينصفهن ويطلقهن إلى الحرية، أو أقله يسمح لهن بالقيام بما يردنه، وإن كانت أخريات يخشين عدم القدرة ربما على حماية بناتهن على سبيل المثال في المستقبل.

المساهمون