أثار قرار السلطات المغربية منع صناعة وبيع البرقع العديد من ردود الأفعال من طرف إسلاميين وحقوقيين، توزعت مواقفهم بين من اعتبر القرار صائبا لأنه يستند إلى دوافع أمنية في خضم تفشي التطرف والإرهاب، وبين من يجده قرارا تعسفيا ينتهك حرية النساء في اللباس.
وراسلت السلطات المحلية في أكثر من مدينة بالمغرب تجار وباعة الملابس المتخصصين في بيع النقاب أو البرقع، وطلبت منهم التخلص مما يوجد لديهم من هذا اللباس خلال يومين، بدلا من الحجز المباشر بعد المهلة، مع الامتناع عن إنتاج وتسويق هذا اللباس.
وقال بائع، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن قرار السلطات الأمنية حظر خياطة وتسويق النقاب أو البرقع صدمه مثلما صدم عددا من زملائه في حي الشيخ المفضل بمدينة سلا، والمعروف بغزارة تسويقه لهذا الزي.
وتابع البائع أن قرار السلطات بمنع خياطة وبيع النقاب لا مسوغات منطقية له، باعتبار أن هذا اللباس دأبت المغربيات على ارتدائه من دون مشاكل، مبرزاً أن ما يهمه في الأمر أكثر هو أنه سيتعرض لخسارة مالية فادحة، جراء هذا القرار الذي وصفه بالمتسرّع والمجحف.
وكشف المتحدث أن "الباعة والتجار الذي ينشطون في بيع الأثواب الإسلامية، خاصة البرقع، اضطروا أمس إلى توقيع تعهّد مكتوب بالتخلّص من هذا اللباس النسائي، مخافة أن يتعرضوا لعقوبات هم في غنى عنها، فضلاً عن بوار تجارتهم، وأيضاً استجابة لتعليمات السلطات الأمنية".
من جهته، أورد مصدر أمني كان يشرف على إبلاغ قرار منع تجارة البرقع إلى التجار والباعة، أن الدافع الرئيس وراء القرار أمني محض، بالنظر إلى بعض المتطرفين الذي باتوا يستغلون لباس النقاب في تنفيذ عملياتهم الإرهابية، مشدداً على أن الحجاب الإسلامي المعروف والمعتدل لا يشمله القرار.
وواجه العديد من الإسلاميين المغاربة قرار منع صناعة البرقع بكثير من الرفض والاستهجان، منهم الدكتور محمد بولوز، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي أكد لـ"العربي الجديد"، أن "الأصل الذي يؤيده الشرع والقوانين الجاري بها العمل، عدم التدخل في صناعة الثياب والملابس والاتجار فيها. سواء كانت هذه الألبسة داخلية أو خاصة بالسباحة، أو هي للستر واللباس الشرعي، أو اللباس التقليدي الخاص بالبلد أو ببلدان أخرى مثل اللثام أو البرقع"، مبرزاً أن "السوق يخضع لمنطق الحاجة والعرض والطلب. بلدنا منفتح تسكنه جنسيات مختلفة، والمفروض أن يجد كل واحد بغيته".
ولفت الباحث في العلوم الشرعية إلى أنه إذا كانت هناك مظاهر تخالف الشرع أو العرف والذوق العام، فتعالج بالتثقيف والتوجيه والنقد البناء الموجه لمن يختار هذا النمط من اللباس أو غيره، وليس الحل في المنع أو التضييق على التجار والصناع، فكل ممنوع مرغوب، وقد يلجأ لخياطة الممنوع في البيوت أو يستورد وتحرم الدولة من المستحقات.
وتابع بولوز أن "البرقع ليس ممنوعا في الشرع إلا ما كان من النهي عن النقاب في الحج والعمرة، وليس ممنوعاً في القانون، ولا يجب أن تمنع السلطة ما لم يمنعه شرع أو قانون، وإلا إذا كان تراجعاً عن خطاب الحريات. هناك ما هو أولى من المنع، مثل ألبسة الميوعة والانحلال؛ كالسراويل الممزقة والتنورات القصيرة".
مسوغات حقوقية
في المقابل، قال عبد الإله الخضري، مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان، لـ"العربي الجديد"، إنه "إذا كنا نؤمن بضرورة احترام حرية اللباس باعتبارها جزءاً من حرية التعبير، فإن هذا الحق يصطدم بأولويات أمن وسلامة المجتمع، والتي تعتبر كذلك من مبادئ حقوق الإنسان الأساسية، لما ينطوي عليه البرقع من مخاطر ارتكاب أعمال إرهابية".
وأضاف الخضري: "البرقع تمتد جذوره إلى عهد الجاهلية قبل مجيء الإسلام إلى شبه الجزيرة العربية، كما يمكن اعتباره دخيلا نوعا ما على قيم المجتمع المغربي الذي كان يتداول طرازاً محلياً آخر، وهو (الحايك واللثام)، والذي بدأ يندثر حاليا، وظهرت بدلا منه أنماط أخرى من اللباس، توفر الحد الأدنى من الستر المطلوب".
واعتبر أن "ظروف المجتمع ووجود بدائل موضوعية خالية من مظاهر الغلو والتخفي، المضرين بأمن وسلامة المجتمع، تجعل استعماله غير ذي جدوى في بلادنا"، مردفاً أن "نهي النبي محمد عن استعمال البرقع أو النقاب في العمرة والحج لدليل على صواب هذا الموقف".
وخلص الناشط الحقوقي إلى أن القرار من الناحية الحقوقية "يغلب عليه جلب مصلحة الأمة في التعايش على أسس سليمة، ولا يرقى إلى انتهاك حقوق الإنسان، وبالتالي هو قرار جدير بالاحترام والتفعيل، وعلى المعارضين، اللجوء إلى القضاء، والذي يحق له قول الفصل في القرار".
في حين قال الحقوقي عبد المالك زعزاع، لـ"العربي الجديد"، إن "قرار منع البرقع يمس الحق في التمظهر الذي هو من حقوق الإنسان، كما يمس هوية الدولة المغربية التي دينها الإسلام، وكذلك حرية الصناعة والتجارة".
وأضاف زعزاع أن "منع البرقع يتضمن تضييقا على شريحة من التجار، فضلا عن الشطط الواضح في استعمال السلطة، وهو ما ينم عن حرب تعلنها الداخلية ضد شريحة من نساء هذا المجتمع. وهو عنوان كبير للانتكاسة التي يعرفها المغرب في مجال حقوق الإنسان".