يصل يحيى على دراجته النارية إلى المقهى القريب من المدينة الرياضية في منطقة الطريق الجديدة في العاصمة اللبنانية بيروت. يركن الدراجة قرب مكان استلقاء قطط الحي، من دون أن تهرب منه فهي معتادة عليه وعلى وداعته. تحية سريعة بيده إلى الحاضرين قبل أن يجلس على الكرسي البلاستيكي القديم على الرصيف. يضم أصابع يده اليمنى كأنه يرتشف من الفنجان، ويرفعها مرتين باتجاه فمه. يتلقى أحمد الإشارة من داخل المقهى ويُعدّ القهوة المسائية لصديقه وزبونه الدائم يحيى. لحظات قليلة ويصل باقي الرواد. لا ترتفع أصواتهم، بل تتسارع وتيرة لغة الإشارة الخاصة بالأشخاص الصم.
يجلس نحو عشرة شبان في الشارع الضيق الذي تتلاصق فيه البنايات، وتتجاور فيه الورش الصناعية الصغيرة مع الشقق السكنية. وحده مقهى الأشخاص الصم لا يشارك في صنع الضجة اليومية للحي. لكنّ الهدوء الظاهر لا يعني فتور حياة الشبان. على العكس، يتشارك الحاضرون عشرات القصص اليومية عن أعمالهم المتنوعة والحياة الزوجية لبعضهم، إلى جانب مختلف الاهتمامات العادية للمواطن اللبناني من انقطاع الماء والكهرباء وانتقاد الحكومة.
لا يقتصر الحضور على الأشخاص الصم اللبنانيين في المقهى الذي تحول إلى مركز اجتماعي يجتمع فيه الأشخاص الصم العرب المقيمون في المنطقة، ومن بينهم عراقيون وسوريون. ينزوي أحد الرواد العراقيين في زاوية غير بعيدة عن السهرة "ليتحدث (عبر الشاشة) مع أهله في العراق". يبذل جهداً مضاعفاً للتعبير بيد واحدة، بينما يرفع الهاتف بيده الثانية.
لا يمكن للسهرة في القهوة أن تكتمل من دون النرجيلة التي يبرع أحمد في تحضيرها، بحسب الساهرين. وقد ابتكر الرواد مجموعة إشارات لطلب نكهة المعسل التي يريدونها. يُعلّم يحيى زائري المقهى من غير الصم كيفية الطلب "من باب التسلية والتثقيف معاً". تبدأ كلّ الطلبات برفع الإبهام، فكأنّ المتحدث يحمل نبريج (خرطوم) النارجيلة، ثم تأتي الخطوة التالية مختلفة باختلاف النكهة. يقضم يحيى قضمتين افتراضيتين من تفاحة ليطلب نارجيلة "معسل تفاحتين". يفرك حنكه بأصابعه لطلب "معسل ليمون حامض"، وذلك لأن "الحامض يترك طعماً لاذعاً على الأسنان تشبه حركة العصر". أما "معسل النعناع" و"معسل العنب" فيدل عليهما الزبائن بحركتي قطاف أفقية للخيار الأول وعمودية للثاني. يضحك يحيى وأصدقاؤه لدى محاولة أحد الحاضرين من غير الأشخاص الصم طلب نارجيلة مُشكلّة من نكهتي الحامض والنعناع معاً.
تتفاوت صعوبات النطق لدى رواد مقهى الإشارة في الطريق الجديدة. فيختفي بالكامل لدى البعض، بينما ينطق بعضهم عدداً من الأحرف. يعتمدون جميعاً لغة الإشارة وقراءة الشفاه للتواصل.
اقــرأ أيضاً
يجلس نحو عشرة شبان في الشارع الضيق الذي تتلاصق فيه البنايات، وتتجاور فيه الورش الصناعية الصغيرة مع الشقق السكنية. وحده مقهى الأشخاص الصم لا يشارك في صنع الضجة اليومية للحي. لكنّ الهدوء الظاهر لا يعني فتور حياة الشبان. على العكس، يتشارك الحاضرون عشرات القصص اليومية عن أعمالهم المتنوعة والحياة الزوجية لبعضهم، إلى جانب مختلف الاهتمامات العادية للمواطن اللبناني من انقطاع الماء والكهرباء وانتقاد الحكومة.
لا يقتصر الحضور على الأشخاص الصم اللبنانيين في المقهى الذي تحول إلى مركز اجتماعي يجتمع فيه الأشخاص الصم العرب المقيمون في المنطقة، ومن بينهم عراقيون وسوريون. ينزوي أحد الرواد العراقيين في زاوية غير بعيدة عن السهرة "ليتحدث (عبر الشاشة) مع أهله في العراق". يبذل جهداً مضاعفاً للتعبير بيد واحدة، بينما يرفع الهاتف بيده الثانية.
لا يمكن للسهرة في القهوة أن تكتمل من دون النرجيلة التي يبرع أحمد في تحضيرها، بحسب الساهرين. وقد ابتكر الرواد مجموعة إشارات لطلب نكهة المعسل التي يريدونها. يُعلّم يحيى زائري المقهى من غير الصم كيفية الطلب "من باب التسلية والتثقيف معاً". تبدأ كلّ الطلبات برفع الإبهام، فكأنّ المتحدث يحمل نبريج (خرطوم) النارجيلة، ثم تأتي الخطوة التالية مختلفة باختلاف النكهة. يقضم يحيى قضمتين افتراضيتين من تفاحة ليطلب نارجيلة "معسل تفاحتين". يفرك حنكه بأصابعه لطلب "معسل ليمون حامض"، وذلك لأن "الحامض يترك طعماً لاذعاً على الأسنان تشبه حركة العصر". أما "معسل النعناع" و"معسل العنب" فيدل عليهما الزبائن بحركتي قطاف أفقية للخيار الأول وعمودية للثاني. يضحك يحيى وأصدقاؤه لدى محاولة أحد الحاضرين من غير الأشخاص الصم طلب نارجيلة مُشكلّة من نكهتي الحامض والنعناع معاً.
تتفاوت صعوبات النطق لدى رواد مقهى الإشارة في الطريق الجديدة. فيختفي بالكامل لدى البعض، بينما ينطق بعضهم عدداً من الأحرف. يعتمدون جميعاً لغة الإشارة وقراءة الشفاه للتواصل.
طور الأصدقاء مفردات خاصة بلغة الإشارة لمناداة بعضهم البعض. يوجه يحيى ما يشبه اللكمة الخفيفة إلى وجهه للسؤال عن صديقهم الذي تأخر. أصبحت تلك الحركة البسيطة اسم الصديق منذ تعرض إلى حادث سير ارتطم وجهه خلاله. أما صديقهم الثاني فيسألون عنه بتمرير أيديهم فوق رؤوسهم مرتين أو ثلاثاً لأنه أقرع. وهكذا تمكن الشبان من تكوين لغة خاصة بهم ضمن المساحة الضيقة التي تجمعهم.
لا يقتصر السهر في المقهى على الشبان فقط، بل تحضر الصبايا أيضاً. يقول الرواد إنّ الجلوس هناك "لا يسبب لنا حرجاً كالحرج الذي يسببه الجلوس في المقاهي العادية". يلوم الشبان الدولة "على عدم تقبل الآخرين لهم بالرغم من قدرتنا على التعلم والعمل". يُعددون المهن التي يعملون فيها: "يحيى عامل في مطعم وكان قبل ذلك يعمل في واحدة من أكبر شركات السوبرماركت في لبنان، وصديقه الذي تعرض لحادث سيارة يعمل في مجال تصليح الدراجات النارية، والثالث الذي لم يحضر بعد، حلاق، ماهر". لا يلوم الشباب الحكومة فقط، بل يؤكد يحيى أنّ "دور أهل الأشخاص الصم مهم جداً في دفعهم في اتجاه اكتساب مهارات تعليمية وتقنية بدلاً من الخجل بإعاقتهم". كذلك، يقول إنّ "طبيعة التعليم الرسمي الذي يتابعه الأطفال الصمّ غير فعّال بقدر التعليم الخاص الذي يلحظ إعاقتهم".
يحتفظ مدير المقهى أحمد حمية باللكنة البرجاوية التي حملها معه من بلدته برجا في إقليم الخروب (جنوب جبل لبنان) إلى مكان إقامته في العاصمة بيروت، بالرغم من صعوبة النطق لديه. قرر الشاب العشريني استئجار المقهى الذي شغله عدد من الأشخاص قبله، وفتحه للأصدقاء الذين بات في إمكانهم الاختيار بين ثلاثة مقاهٍ للصم في العاصمة بيروت وفي ضاحيتها الجنوبية. تجمع هذه المقاهي الشبان والصبايا في سهرات يومية، لكنّ مقهى أحمد يتميز بتقديم مناقيش (معجنات) الصاج التي أتقنها بسبب عمله السابق في فرن.
يغادر يحيى إلى منزله حيث أطفاله وزوجته، ويأمل أن تشمل البطاقة الصحية للأشخاص المعوقين في لبنان المزيد من الخدمات، كأن يمنحوا الحق في الحصول على إجازات سوق أسوة بغيرهم.
وبالرغم من ابتعاده، لا يطول الوقت حتى يعود يحيى وغيره من الأشخاص الصمّ إلى المقهى. هناك يرحبون دائماً بزيارة غير الصم.
اقــرأ أيضاً
لا يقتصر السهر في المقهى على الشبان فقط، بل تحضر الصبايا أيضاً. يقول الرواد إنّ الجلوس هناك "لا يسبب لنا حرجاً كالحرج الذي يسببه الجلوس في المقاهي العادية". يلوم الشبان الدولة "على عدم تقبل الآخرين لهم بالرغم من قدرتنا على التعلم والعمل". يُعددون المهن التي يعملون فيها: "يحيى عامل في مطعم وكان قبل ذلك يعمل في واحدة من أكبر شركات السوبرماركت في لبنان، وصديقه الذي تعرض لحادث سيارة يعمل في مجال تصليح الدراجات النارية، والثالث الذي لم يحضر بعد، حلاق، ماهر". لا يلوم الشباب الحكومة فقط، بل يؤكد يحيى أنّ "دور أهل الأشخاص الصم مهم جداً في دفعهم في اتجاه اكتساب مهارات تعليمية وتقنية بدلاً من الخجل بإعاقتهم". كذلك، يقول إنّ "طبيعة التعليم الرسمي الذي يتابعه الأطفال الصمّ غير فعّال بقدر التعليم الخاص الذي يلحظ إعاقتهم".
يحتفظ مدير المقهى أحمد حمية باللكنة البرجاوية التي حملها معه من بلدته برجا في إقليم الخروب (جنوب جبل لبنان) إلى مكان إقامته في العاصمة بيروت، بالرغم من صعوبة النطق لديه. قرر الشاب العشريني استئجار المقهى الذي شغله عدد من الأشخاص قبله، وفتحه للأصدقاء الذين بات في إمكانهم الاختيار بين ثلاثة مقاهٍ للصم في العاصمة بيروت وفي ضاحيتها الجنوبية. تجمع هذه المقاهي الشبان والصبايا في سهرات يومية، لكنّ مقهى أحمد يتميز بتقديم مناقيش (معجنات) الصاج التي أتقنها بسبب عمله السابق في فرن.
يغادر يحيى إلى منزله حيث أطفاله وزوجته، ويأمل أن تشمل البطاقة الصحية للأشخاص المعوقين في لبنان المزيد من الخدمات، كأن يمنحوا الحق في الحصول على إجازات سوق أسوة بغيرهم.
وبالرغم من ابتعاده، لا يطول الوقت حتى يعود يحيى وغيره من الأشخاص الصمّ إلى المقهى. هناك يرحبون دائماً بزيارة غير الصم.