مشعوذو وسحرة بغداد ينافسون أطباءها

31 اغسطس 2016
مليشيات وأحزاب تحمي المشعوذين (فيسبوك)
+ الخط -

تؤكد تقارير وزارة الداخلية العراقية، أن نحو ثلاثة آلاف شخص يعملون في مجال الشعوذة والسحر والتنجيم، وأنهم ينتشرون في مدن عراقية مختلفة، خصوصاً في المحافظات الجنوبية من البلاد، فضلا عن العاصمة بغداد، ويتقاضون مبالغ كبيرة من زبائنهم، بالتزامن مع رواج بيع الأحجار والتمائم بين شرائح مختلفة من العراقيين.


ويحظى العاملون في هذا المجال بحصانة عُرفية تمنع اعتقالهم أو إغلاق أعمالهم المزدهرة، بحسب التقرير، كون أغلبهم موالين لمليشيات مسلحة أو أحزاب دينية، أو يسلمون رشاوى مالية لعناصر في الأجهزة الأمنية.

وبحسب تقارير لأجهزة الاستخبارات والشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية العراقية، اطلع "العربي الجديد" عليها، فإن فئة المشعوذين والسحرة والعاملين في مجال التنجيم وقراءة الطالع غالبيتهم في بغداد والنجف وكربلاء، فضلا عن البصرة.

ويقترح أحد التقارير تحرك البرلمان والحكومة لتفعيل المادة 56 من الدستور العراقي والقانون رقم 248 الذي يُدخل ممارسة تلك الأعمال ضمن جريمة النصب والاحتيال، وإصدار مجلس القضاء الأعلى نصوصا واضحة لأفراد الشرطة والأمن المجتمعي.

ويقول العقيد بالشرطة العراقية في الرصافة، أحمد الموسوي، إن "عدد المشعوذين والسحرة في بغداد أكبر من عدد الأطباء، وهذا علامة تخلف وجهل خطيرة؛ ليس لممارسي تلك المهنة فحسب، بل لأفواج الناس التي تصطف على أبواب منازلهم ومكاتبهم كل يوم أملا في الشفاء أو الزواج أو الرزق أو حل المشاكل، في ما يمكن تسميته تجارة الوهم أو خداع البسطاء أو الجهلاء".

ويضيف الموسوي: "مع الأسف، نحن نلاحقهم ونعتقل بعضهم، لكن سرعان ما يقوم القضاء بإطلاق سراحهم، لأن هناك من يعتاش من المشعوذين"، مضيفا أن شخصيات سياسية تحميهم، بل إن بعض السياسيين يؤمن بقدراتهم ويتردد عليهم.

ويلفت الضابط العراقي إلى أن "الأسبوع الماضي سجل وفاة فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها، بسبب ضرب مبرح تعرضت له على يد أحد المشعوذين في الكاظمية شمالي بغداد، بدعوى إخراج الجن الذي يؤخر زواجها، وتم اعتقال المشعوذ وهو مودع حاليا في مركز للشرطة قيد التحقيق، بينما هاجم أهل الفتاة منزل المشعوذ وأحرقوه بالكامل".

وأطلق نشطاء عراقيون، غالبيتهم من الشباب، حملات توعية من مخاطر تلك الخرافات وخطورة انتشارها، وقال الناشط ليث طه، لـ"العربي الجديد"، "إن أغلب مرتادي السحرة والمشعوذين هم من المؤمنين بالخرافات، وهم في العادة من الطبقة الفقيرة".


ويضيف "يافطات علنية تنتشر في بغداد، تحوي أنواع الممارسات من فك السحر وإخراج الجن وتزويج العانس وإرجاع المطلقة لزوجها وعلاج العقم وإنجاب الذكور ورد المفقود"، وسخر قائلا: "لم يبق إلا إحياء الميت، لكن الحمد لله لم يجرؤوا على ذلك".


واتهم الناشط الشاب، الشرطة والقضاء بالفساد "يتركون النساء يقفن كل يوم بالعشرات على أبواب المشعوذين بدلا من الذهاب إلى طبيب نفسي أو مستشفى متخصص، ولا يحرك أحدهم ساكنا لوقف الظاهرة أو حتى تحجيمها".



وحول أجور المشعوذين، يقول أحد ضحاياهم، والذي طلب عدم ذكر اسمه، إن "الأسعار تتراوح بين 100 دولار و20 ألف دولار، وكل ساحر أو مشعوذ له أسعاره، وهناك تنافس بينهم، فهناك من يطلق عليه الساحر السفلي وهناك الساحر الأرضي، ومؤخرا بات لديهم أفراد حماية".

ويقول طبيب الأمراض النفسية في بغداد، خالد العلي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحالة طبيعية بالنسبة لبلد عاش حربا وفسادا ماليا وتخلفا على كل الأصعدة منذ 13 عاما، بصراحة عياداتنا خالية من المراجعين، بينما منازل المشعوذين مكتظة بهم. الموضوع يحتاج إلى توعية ثم اعتقال المشعوذين الذين بات الناس يقدسونهم، بل يخافون ذكر أسمائهم في غيابهم، وقداستهم تأتي من الجهل ثم دخولهم تحت عباءة المرجعيات الدينية في العراق".