أريد أن أبقى لاجئاً

21 اغسطس 2016
"شو دخلنا نحنا؟" (سبنسر بلات/ Getty)
+ الخط -

"الحرب". إذا أخذنا هذه المفردة على محمل الجدّ، سوف ندرك أنّ حجم خسائرنا يفوق طاقتنا.

قبل أيام، كنت في المقهى حيث أعمل في منطقة الروشة في بيروت. وبينما كنت منهمكاً في تحضير ثلاثة فناجين قهوة إسبريسو مُرّة، لثلاثة شبّان من أبناء المنطقة يعملون سائقي تاكسي، جاءت فتاة لا يتجاوز عمرها الثانية عشرة وراحت تسألهم أن يشتروا منها علّاقة مفاتيح. شتمها أحدهم، وشتم من جاء بها وبأمثالها إلى البلد. فردّت بلكنتها الشامية: "شو دخلنا نحنا؟".

شخصياً، لم آتِ من سورية لاجئاً. قصدت لبنان في المرّة الأولى، في عام 2007. منذ ذلك الوقت، صارت بيروت مدينتي. ليست مدينتي بمعنى الاحتلال، بمعنى أنّني احتللتها. على العكس من ذلك، هي التي باتت تحتل في نفسي مكانة كبيرة ولم أعد قادراً على العيش في أيّ مدينة أخرى. لكنّهم جعلوني لاجئاً رغماً عني، حتى أنا نفسي اقتنعت أخيراً بهذه السمة لأسباب عديدة.

عندما انتهت إقامتي وذهبت لتجديدها، سحبوا منّي كلّ أوراقي الثبوتية وأعطوني كارت (بطاقة) أخضر دوّنوا عليه اسمي ومعلومات شخصية أخرى. وطلبوا مني إحضار كفيل، في مهلة لا تتجاوز أسبوعين. وعندما أوقفت سيارة أجرة لأعود إلى البيت وفي يدي ذلك الكارت الأخضر، بدأ السائق يثرثر عن الحرب والأزمة اللتَين يعاني منهما شعبه في ظلّ توافد اللاجئين. شعرت بامتعاض شديد. فأنا كنت سأدفع له ألفَي ليرة لبنانية تماماً كأيّ مواطن. وفي ذلك المساء، قصدت أحد المقاهي. كان الجالسون بالقرب منّي يتناقشون حول قضية اللاجئين. رحت أستمع إليهم. واحد لا يبالي، آخر يسبّ ويلعن، أمّا الثالث فيشفق لا أكثر.

لم يتوقّف الأمر عند هذا الحد. قبل نحو شهرين، في يونيو/ حزيران الماضي، ضرب الإرهاب ضمن سلسلة هجماته التي تستهدف المدنيين في جميع أنحاء كوكب الأرض، منطقة القاع اللبنانية. على الأثر، خرج كثيرون وراحوا يطالبون بطردنا من هنا. راحوا يطالبون بسحب سمة اللجوء منا. وبات الجميع ينظر إلينا بحذر وبكراهية. ربما نسوا أنّنا "الخاسر الأكبر" في هذه الحرب، وأنّنا أكثر المتضررين من جرّاء التفجيرات الإرهابية. ربما نسوا أنّ سورية لم تصنع الإرهاب، بل هو من انصبّ عليها من كلّ حدب وصوب. إلى إرهاب المتشددين، نجد الإرهاب المبرّر. إرهاب الطائرات والبراميل المتفجرة والجيوش التي جاءت من بلدان نجهل لغاتها.

اليوم، لم أعد أخشى أن يصنّفوني لاجئاً، بل إنّني مصرّ على أن أكون كذلك، لأسباب يعرفها الجميع. لا أريد أن ألتحق بصفوف النظام لمقاتلة المعارضة، ولا أريد الالتحاق بصفوف المعارضة لمقاتلة النظام. أريد البقاء بعيداً عن سطوة المتشددين لكي لا يجنّدوني معهم عنوة، ولكي لا يدفعني الجوع في ذلك الاتجاه. أريد البقاء هنا بسلام مع هذا الكارت الأخضر وسمة اللجوء.

المساهمون