المتقاعدون اللبنانيون في فقّاعة السياسة

13 يوليو 2016
يتلقّى الوعود تلو الوعود.. لكن مكانك راوح (حسين بيضون)
+ الخط -

وزارة الصحة العامة سوف تعمل على تأمين التغطية الصحية والاستشفائية الشاملة لكلّ اللبنانيين الذين تجاوزوا سنّ الرابعة والستين، وذلك في كل مستشفيات لبنان الحكومية والخاصة على حدّ سواء. هذا ما أعلنه وزير الصحة العامة في لبنان، وائل أبو فاعور، أوّل من أمس الإثنين.

للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر مشروعاً ضخماً وإنجازاً صحياً واجتماعياً في واحد من أسوأ العهود والمراحل السياسية التي تعرفها البلاد، نتيجة مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى الأزمة الدستورية المستمرّة في البلد منذ أكثر من عامَين. لكن، عند البحث في تفاصيل هذا المشروع والتدقيق بها، يظهر أنّ وزارة الصحة لا تعدّ لأيّ مشروع فعلي. يُذكر أنّ تأمين التغطية الصحية والاستشفائية للبنانيين جميعاً يندرج أساساً في إطار مسؤوليات الوزارة.

عند سؤال المعنيّين في الوزارة عن المشروع، فإنّهم ويدعون إلى "انتظار 19 يوليو/ تموز الجاري، موعد الإعلان الرسمي عن هذا المشروع، الذي من المفترض أن يتخلّله عرض لكل التفاصيل المتعلقة به". ويشدّد أحدهم عند سؤال "العربي الجديد" عن مضمون الخطة الموضوعة لهذا المشروع، على أنّه "لن يترتّب على الدولة اللبنانية أي تكلفة إضافية لتطبيق هذا المشروع. الملف المالي معيار أساسي اتّخذه فريق الوزارة، وعلى هذا الأساس نعمل على إعادة هيكلة الفاتورة الصحية والاستشفائية بهدف تحسين واقع هذا القطاع في لبنان والاستفادة من سدّ أبواب الهدر والفساد المستشريان في كل المؤسسات الرسمية".

وفي ردّ مختصر، يقول مستشار أبو فاعور، نادر حجاز، لـ "العربي الجديد": "المهم أنّ هذا المشروع لا يحمّل أيّ عبءٍ إضافيّ أو مصاريف إضافيّة لخزينة الدولة، فهو نتيجة إصلاحات في الوزارة". يضيف أنّ "تفاصيل المشروع تُعلَن كاملة في حينها، أيّ في الموعد المحدّد لإطلاق المشروع برعاية رئيس الحكومة تمام سلام".

في السياق نفسه، تشير مصادر مقرّبة من الوزير أبو فاعور لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "ما تطرحه الوزارة اليوم ليس جديداً. وبالفعل، تغطّي الوزارة الفاتورة الاستشفائية الصحية لكل اللبنانيين، لكن ما نعمل عليه اليوم هو منح هذه الشريحة العمرية تسهيلات للحصول على الخدمات الصحية". تضيف المصادر نفسها أنّ طرح أبو فاعور يشير تحديداً إلى "خفض المعاملات المطلوب إنجازها واعتماد السرعة في إنجازها، إذ هي وللأسف تخضع عادة لبيروقراطية إدارية ولوساطات نظراً للواقع اللبناني". وتؤكد المصادر على أنّ هذا المشروع من شأنه "رفع الفاتورة الصحية والاعتمادات المخصصة للاستشفاء"، لذا فإنّ العمل قائم على تحديد آلية واضحة بين الوزارة والقطاع الاستشفائي "لتأمين التغطية الصحية لهذه الشريحة العمرية من أي ذرائع قد تقدّمها المستشفيات الخاصة، خصوصاً لجهة الذريعة المالية وعدم تسديد الدولة المستحقات الخاصة في هذا القطاع".




في المقابل، يعلّق الخبير الاقتصادي المتابع لموازنات الدولة اللبنانية والقطاع الرسمي، الدكتور إيلي يشوعي، على هذه الخطة بالقول إنّ "انتظار تفاصيل المشروع قد يكون شافياً. لكن قبل الحصول على ذلك، لا بدّ من التأكيد على أنّ الدولة اللبنانية ووزاراتها عاجزة عن صرف أيّ ليرة إضافية في أيّ مشروع كان". ويشير يشوعي لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "لا فائض مالياً في أيّ قطاع رسمي، وبالتالي لا يمكن نقل أيّ ليرة من قطاع إلى آخر أو من مشروع إلى آخر". وهو ما يدعو إلى التشكيك في الخطوة التي تنوي وزارة الصحة القيام بها في ظل اعتراف المعنيين بهذا الملف أنّ كلفة مالية إضافية ستترتّب على هذه الخطوة.

كذلك، كان تشكيك في مشروع تأمين التغطية الصحية والاستشفائية الشاملة لمن تجاوز سنّ الرابعة والستين، في أوساط المعنيين بالقطاعَين الصحي والمالي. بالتالي، تُسجَّل ملاحظات عديدها، أبرزها: ماذا عن الشرائح العمرية ما دون الرابعة والستين في ظلّ الواقع الاستشفائي الصعب الذي يعترف به المسؤولون في الوزارة؟ أو أنّ هذا المشروع سوف يكون على حساب الشرائح الأخرى؟ وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنّ من هم فوق الرابعة والستين، لا يشكّلون سوى نسبة 7.9 في المائة من اللبنانيين. وأكثر من ثلثَي هذه النسبة يتلقون الرعاية الصحية والطبية من "صندوق الضمان الاجتماعي" أو على حساب الجيش والقوى الأمنية اللبنانية أو على نفقتهم الشخصية من خلال شركات تأمين خاصة. بالتالي، فإنّ خطة وزارة الصحة قد تشمل تسهيل أمور نحو 2.6 في المائة من اللبنانيين فقط. إلى ذلك، لماذا لا يكون التطوير الحاصل عاماً، ليشمل كل اللبنانيين؟ وماذا عن الأزمة الواقعة أساساً بين وزارة الصحة العامة والمستشفيات الخاصة بسبب الاعتمادات المالية وتأخّر الدولة عن تسديدها، وتأثير هذه الأزمة على تعامل القطاع الطبي الخاص مع المرضى الذين يتلقون الرعاية الصحية على حساب الوزارة؟ 

قد تبيّن هذه الأسئلة أنّ مشروع أبو فاعور ليس سوى فقاعة سياسية بعنوان إنمائي وإصلاحي، ولو أنّ المقرّبين من الوزير يشيرون لـ "العربي الجديد" إلى أنّه "الوحيد من بين الوزراء الذي ينفّذ أجندة إصلاحية، بدءاً من حملة سلامة الغذاء وخفض أسعار الأدوية وغيرها من الملفات الخاصة بوزارة الصحة".

تجدر الإشارة إلى أنّ وزراء الصحة والشؤون الاجتماعية وغيرهم، المتعاقبين في الدولة اللبنانية، سبق لهم أن طرحوا مجموعة من العناوين الإصلاحية مثل "ضمان الشيخوخة" و"البطاقة الصحية". يعود المشروع الأول إلى تسعينيات القرن الماضي، في حين انطلق المشروع الثاني قبل نحو ثماني سنوات، لكنّ الواقع ما زال على حاله من دون أي تعديل، فيما رعاية المواطنين صحياً متروكة لتوقيع مدير عام من هنا أو لاتصالات ووساطات سياسية من هناك.