النساء السلاليات في المغرب يُحرمنَ من أرض آبائهنّ

12 يوليو 2016
ما زالت تحت رحمة القبيلة (فضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

لأنّ أراضي القبيلة لا يجوز انتقالها إلى ملكيّة قبائل أخرى، ولأنّ النساء في حال تزوّجن من رجال غرباء سوف يتخلّين عن أرضهنّ لهم، تحرص القبائل السلالية في المغرب على عدم توريث بناتها الأرض.. ولا سيّما أنّ الأرض هي كالعرض.

في المغرب، قبائل ودواوير قروية تسمّى سُلالية، ما زالت تطبّق القوانين المعتمدة على أعراف وعادات بائدة، منها حرمان نساء "سلاليات" كثيرات من الحصول على نصيبهنّ من الإرث، بذريعة الخوف من زواجهنّ برجال من خارج القبيلة، فتعود الأراضي بالتالي إلى أشخاص غرباء.

وتلك الأعراف والتقاليد الذكورية التي تمنح الرجال الحقّ بمنع نساء القبيلة من الاستفادة من إرث آبائهنّ، والتي تطبّقها أكثر من أربعة آلاف قبيلة في البلاد، تعود إلى مرحلة الاستعمار الفرنسي.

نظرياً، توزَّع ممتلكات هذه القبائل بحسب قوائم المستفيدين، بعد المصادقة عليها من قِبل مجلس الوصاية الحكومي الذي يضمّ ممثلين عن عدد من القطاعات الوزارية. لكنّه في الواقع، لا شيء من ذلك يُطبّق، إذ إنّ الأعراف الراسخة في هذه القبائل والدواوير تحظر على المرأة الاستفادة من الإرث، بدعوى ألا تنتقل ملكية الأراضي إلى قبيلة أخرى إذا ما تزوّجت من رجل منها.

رابحة من هؤلاء النساء اللواتي يعانين من حيف توزيع الإرث ومن الحرمان من حقوقهنّ، تعيش في إحدى ضواحي مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها مُنِعت من قبل رجال القبيلة من حقها بالاستفادة مما تركه أبوها من إرث على شكل أرض عقارية. تؤكد: "لم أستفد من الإرث الذي يتيحه لنا الشرع والقانون معاً. طالبت به كثيراً، إلا أنّني أذعنت لسلطة القبيلة والدوار".

حنان امرأة سلالية أخرى، تشير إلى أنّ أوضاع المرأة في المناطق والقبائل السلالية في المغرب "كارثية ومهينة في زمن يتغنى فيه كثيرون بحقوق النساء". تضيف أنّ "حرمان السلاليات من حقهنّ في الإرث وفي معاملات بيع الأراضي لا يمكن القبول به بعد عقود من هذا الظلم الاجتماعي والنفسي الذي لحق بكثيرات منهنّ".




وبعدما صار للنساء السلاليات اللواتي يشتكين من ظلم "ذوي القربى"، صوت مسموع في الفترة الأخيرة بفضل تدخّل منظمات حقوقية، بتن يخرجن إلى الشارع في العاصمة الرباط وينظمن وقفات احتجاجية لحلّ مشاكلهن، بعدما كنّ مقموعات داخل قبائلهنّ ودواويرهنّ.

في هذا السياق، يقول مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان عبد الإله الخضري، إنّ "الدولة سبق وأقرّت في أكتوبر/ تشرين الأول 2010، حقّ النساء السلاليات بالتعويضات المادية والعينية الخاصة بالأراضي السلالية على قدم المساواة مع الرجال. لكنّ بعض المناطق النائية والمهمشة ما زالت تعيش على إيقاع عادات وتقاليد قديمة". ويشرح لـ"العربي الجديد" أنّ هذه العادات "منبثقة من أعراف مجحفة ومتخلفة، تمنح الرجال جميع الامتيازات والحقوق، فيما تستثني النساء منها"، مشدّداً على أنّ واقع النساء السلاليات في مناطق عديدة يراوح مكانه".

يضيف الخضري أنّ "ثمّة أراضي سلالية كثيرة ما زالت تحت استئثار الرجال دون النساء في الانتفاع. وتعيش الأخيرات إقصاءً غير منطقي وغير قانوني وغير شرعي، في مناطق من قبيل شيشاوة وأزيلال وميدلت وغيرها من المناطق الهامشية". ويحمّل المركز المغربي لحقوق الإنسان المسؤولية بالدرجة الأولى إلى الدولة، ممثلة في وزارة الداخلية، نظراً لتقاعسها في تطبيق مقتضيات الدستور المغربي الجديد المتعلق بمبدأ المناصفة والمساواة بين المواطنين نساءً ورجالاً، في الحقوق كافة، بما في ذلك الحقوق العقارية.

من جهة أخرى، يلفت الخضري إلى أنّ الأراضي السلالية تشهد انتهاكات خطيرة عديدة، على خلفية نزاعات مزمنة بين المواطنين ونهب ممنهج من قبل نافذين ومتسلطين، في ظل عدم قدرة القضاء على الحسم العادل والمنصف في موضوع الأراضي السلالية التي تخضع لتدبير مجلس الوصاية في وزارة الداخلية.

وكان قد سبق للمجلس العلمي الأعلى، وهو أعلى مؤسسة علمية مختصة بالفتوى في المغرب، أن دخل على خط ملف النساء السلاليات. وأكّد على عدم إمكانية القبول اليوم بالعرف الذي بني عليه في القبائل السلالية قصر الاستفادة على الرجال وتخصيصهم بها دون المرأة، إذ إنّ الرجل مصدر الحماية في القبيلة والرعاية في العشيرة. وتابعت فتوى المجلس أنّ "الدولة بقوانينها ومؤسساتها صارت هي الحامية للقبائل والعشائر، والراعية لشؤونها وشؤون غيرها من مكوّنات المجتمع المغربي وعناصره الحضرية والقروية المتماسكة. وأبرزت أنّ ما بني على عرف في وقت ما، يتغيّر بتغيّره كما هو مقرر عند الفقهاء".

وقد خلص علماء المغرب إلى أنّ "من حقّ المرأة في المناطق والقبائل السلالية أن تستفيد كما يستفيد الرجل من العائدات المادية والعينية التي تحصل عليها القبيلة من جرّاء العمليات العقارية، وأن يكون ذلك بمعايير عادلة تعطي لكلّ ذي حق حقه، تحقيقاً للعدل الذي جاء به شرع الإسلام".

المساهمون