الفلوجة في رمضان: إفطار شحيح لا يسدّ الرمق

بغداد

أحمد النعيمي

avata
أحمد النعيمي
07 يونيو 2016
85812A1C-B490-4973-AC8C-EFC417C8C8D3
+ الخط -
ظلامٌ دامس، أوانٍ وصحونٌ فارغة وقدور لم تعلّق على النار منذ أشهر ركنها أهلها في زاوية المطبخ بسبب شح الغذاء. وجوهٌ شاحبة يعلوها الترقب والقلق تحت قصف لا يرحم يختلط صوته بصوت أذان المغرب وحلول موعد الإفطار.

ما كانت المدينة تنام في شهر الصوم، ولا كانت الولائم والأمسيات ونحر الخراف وتوزيع اللحوم يتوقف حتى ساعات الليل المتأخرة، ولكن اليوم يطغى صوت القصف وبكاء الأطفال والنساء وطلبات التبرع بالدم التي ما تنفك مساجد المدينة تنادي بها ليل نهار.

هكذا دخل رمضان على أهل الفلوجة، وهم في بين قطبي رحى حرب تأخذ معها ملامح الجمال ونفحات رمضان التي كانت لا تخلو منها شوارع المدينة على مدار الساعة.

أجهش أبو علاء (51 عاما) بالبكاء عند موعد الإفطار في أول أيام رمضان، فمنزله الذي تعرض للقصف يخلو من الطعام إلاّ بعض حزمٍ صغيرة من نبات السلق والخباز وحفنة صغيرة من التمر التي لا تسد رمق أطفاله.

يقول أبو علاء: "يحزنني منظر أبنائي الصغار وهم يتضورون جوعاً ولا أستطيع فعل أي شيء لهم، والمدينة خالية من الطعام بسبب الحصار الحكومي، وأصبح إفطارنا وسحورنا وجبة واحدة من بعض النباتات".

ولا يختلف حال أم عادل التي قتل زوجها بسبب القصف العشوائي على المدينة وبقيت مع أبنائها الخمسة وهي لا تقوى على مصارعة الحياة، فأكبر أبنائها لا يزيد عن الخامسة عشرة، والأعمال متوقفة ولقمة العيش أصعب ما تكون.

وتقول أم عادل لـ"العربي الجديد" إن أكثر ما يحزنها بكاء طفلها الرضيع الذي لا تجد ما تسد به رمقه سوى بعض الماء الممزوج بالسكر إن توفر، أو تمضغ تمرة وتضعها في فمه لتسد جوعه لعدم وجود حليب أطفال في المدينة.


وأضحى أهالي الفلوجة يأكلون وجبة واحدة في اليوم من خبز الشعير أو الخبز المصنوع من نبات الدخن أو بعض النباتات العشبية كالسلق والخباز والجنيبرة إن توفرت، في حين يضطر كثيرون لتناول ورق الأشجار للبقاء أحياء.

ويفتقد الأهالي حتى الماء البارد في رمضان، وأصبحت الجرار الفخارية رفيقهم لتبريد الماء، أو قناني الماء البلاستيكية يلفونها بقطع قماش مبللة وسط حرارة الصيف الشديدة وانقطاع الكهرباء التام منذ أكثر من سنة عن المدينة.


وبعد أن كانوا ينشغلون بالتسبيح وقراءة القرآن والذهاب إلى المساجد، أصبحوا يشغلون وقتهم بحفر الخنادق والملاجئ داخل منازلهم وغرف نومهم لحماية أنفسهم وأطفالهم خلال القصف الشديد، خاصة خلال المعركة الأخيرة.

كما يفعل صلاح الدليمي (43 عاماً) الذي يقضي يومه في عمل خندق أو ملجأ صغير في منزله علّه يحميهم من شظايا الصواريخ والقنابل.

وتكافح الأمهات لتنويم أطفالهن بأية طريقة وهم يصرخون ويئنون جوعاً وخوفاً من شدة القصف المكثف ودوي الصواريخ وأزيز الرصاص، ويسارعن لوضع القطن في آذان صغارهن الذين أصيب كثيرون منهم بالهستيريا والصدمات النفسية الحادة.

ولا يتمكن كثيرون من سماع صوت أذان المغرب مع موعد الإفطار لشدة القصف، في حين لم يعد آخرون يعيرون أهمية لذلك فالطعام شحيح ولم تعد الأسرة تجتمع على صحونٍ وأطباق من أطايب الطعام.

ويقول وليد محمد (25 عاماً) مات والدي صائماً، كان يجوب الطرقات بحثاً عن شيء كي تطبخه أمي لكن أحد الصواريخ قرر أن يوقف بحثه أمس في أول أيام رمضان.

ويضيف بحرقة في مجلس عزاء صغير أقيم في منزله "قرر والدي أن يبقى صائماً، وأن نفطر نحن حزناً على دمه".

 

ذات صلة

الصورة
زعيم مليشيا "أنصار الله الأوفياء" حيدر الغراوي (إكس)

سياسة

أدرجت وزارة الخارجية الأميركية حركة "أنصار الله الأوفياء" العراقية وزعيمها حيدر الغراوي، على قائمة المنظمات والشخصيات الإرهابية.
الصورة
الحريات في العراق

سياسة

إتاحة الحريات في العراق ما بعد صدام حسين كانت من شعارات غزو بلاد الرافدين. لكن منذ سنوات يتراجع منسوب الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية في هذا البلد بسرعة.
الصورة
الأستاذة الجامعية الهولندية ثيا هيلهورست التي تخوض إضراباً عن الطعام دعماً لقطاع غزة (إكس)

مجتمع

تنفّذ الأستاذة الجامعية الهولندية ثيا هيلهورست إضراباً عن الطعام أمام برلمان بلادها، من أجل لفت الانتباه إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والجوع فيه.
الصورة
النازح السوري فيصل حاج يحيى (العربي الجديد)

مجتمع

لم يكن النازح السوري فيصل حاج يحيى يتوقّع أن ينتهي به المطاف في مخيم صغير يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة غرب مدينة سرمدا، فاقداً قربه من أسرته الكبيرة ولمّتها.