العقوبات البديلة تثير جدالاً في المغرب

17 يونيو 2016
هل ينجح الحدّ من العقوبات السالبة للحرية؟ (فرانس برس)
+ الخط -
يُجمع خبراء ورجال قانون في المغرب على تفاقم ظاهرة الاكتظاظ في عديد من المؤسسات العقابية في البلاد، وما يتبع ذلك من تداعيات وآثار سلبية على وضع السجون عموماً في المملكة، فيما يشيدون ببدائل أقرّها القانون الجنائي الجديد، على سبيل المثال السوار الإلكتروني والأشغال لفائدة المجتمع العامة.
ويرى مراقبون أنّ هذه البدائل العقابيّة التي وردت في نصّ القانون الجنائي الذي ينتظر مصادقة الحكومة عليه، وإن كانت جديرة بالإشادة إذ هي من حلول الحدّ من الاكتظاظ في السجون المغربية، إلا أنّها لن تؤدّي حتماً إلى القضاء على الظاهرة، إذ ذلك يحتاج إلى تضافر شروط كثيرة.

يحمل القانون الجنائي المغربي الجديد تعديلات عديدة، منها إقرار عقوبات بديلة للاعتقال الاحتياطي أو "الاحتجاز"، من قبيل تزويد المعتقل بسوار إلكتروني. ومن بدائل العقوبات السالبة للحرية أيضاً، العمل من أجل المنفعة العامة والغرامة اليومية، وتقييد بعض الحقوق، وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية.
يُعَدّ السوار الإلكتروني بديلاً مستحدثاً من عقوبة الاعتقال الاحتياطي. ويقتضي الأمر أن يُزوّد المعتقل أو المُدان بسوار إلكتروني إمّا حول معصمه أو كاحله، فيما يُمنَع من مغادرة بيته أو مساحة معيّنة. بالتالي تبقى تحرّكاته محدودة ومراقبة إلكترونياً، كمن هو في سجن مفتوح. أمّا العمل من أجل المنفعة العامة الذي يأتي أيضاً كبديل من العقوبة في مشروع القانون الجنائي الجديد، فالمقصود منه وفق الفصل القانوني "عمل غير مؤدّى عنه، وينجز لفائدة جمعية ذات منفعة عامة لمدة تتراوح بين 40 و600 ساعة، ولا يستفيد منه مرتكبو جرائم الاختلاس، والغدر، والرشوة، واستغلال النفوذ، والاتجار غير المشروع في المخدرات، والأعضاء البشرية، والاستغلال الجنسي للقاصرين". وكان وزير العدل والحريات المغربي، مصطفى الرميد، قد أكّد أهمية سنّ العقوبات البديلة، آملاً في أن تساهم البدائل في الحدّ من اكتظاظ المؤسسات السجنية في البلاد.

يبدو أنّ فكرة العقوبات البديلة تروق للسجناء المغاربة. في دراسة أعدتها المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، عبّر 96 في المائة من المعتقلين عن قبولهم بفكرة العقوبات البديلة، وأبدوا استعدادهم تقديم خدمات منفعة عامة لفائدة المجتمع عوضاً عن المكوث وراء القضبان.
يرى مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور خالد الشرقاوي السموني، أنّ "كلّ التشريعات الجنائية المعاصرة تتجّه إلى تطبيق العقوبة البديلة، فقط في العقوبات الأصلية قصيرة المدى. وغالباً ما تشترط هذه التشريعات عدم زيادة مدّة العقوبة السالبة للحرية عن سنة واحدة". ويشرح السموني أنّ "العقوبة السالبة للحرية المؤقتة قصيرة المدى، من المفضّل أن تُستبدَل بعقوبة موجّهة للإصلاح بحسب ما تقتضي المصلحة العامة".



وأوضح السموني، في تصريحات لـ"العربي الجديد" أنّ "مشروع قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد يسعى إلى معالجة ظاهرة الاكتظاظ الشديد داخل المؤسسات السجنية، من خلال إيجاد حلول بديلة للاعتقال الاحتياطي وأخرى للعقوبات السجنية". والبدائل العقابية المقترحة هي بحسب السموني، "تدابير حديثة عملت بها تشريعات دول ديمقراطية، وأدت إلى نتائج إيجابية، من شأنها رفع جودة التشريع الجنائي المغربي".
ومثلما صرّح به وزير العدل والحريات أمام البرلمان المغربي أنّ هذه البدائل لن تفي وحدها بالغرض المنشود، يؤكّد السموني أنّ هذه العقوبات البديلة لن تحلّ نهائياً مشكلة الاكتظاظ في السجون، بل ينبغي انتهاج سياسات عمومية ذات بعد اقتصادي واجتماعي وتربوي، للحدّ من انحراف السلوك الاجتماعي المؤدّي إلى ارتكاب الجريمة".

ويتّفق عبدالمالك زعزاع وهو رجل قانون وناشط حقوقي، مع السموني، قائلاً لـ "العربي الجديد" إنّ "هذه البدائل على أهميتها ليست حلاً سحرياً لمشكلة الاكتظاظ في السجون المغربية، إذ إنّ لهذا الاكتظاظ أسباباً كثيرة. ووضع السوار أو أداء الخدمة لن يمنعا اكتظاظ السجون".
ويرى زعزاع أنّ "الموضوع أكبر من إرساء بدائل عقابية جديدة، فهو يتعلق أساساً في الذهنيات التي تنطق بالأحكام وتنفذها سواء في أجهزة الأمن أو القضاء أو المؤسسات السجنية"، داعياً إلى "إيجاد حلول تعتمد على محاور تربوية واجتماعية ونفسية وقانونية لمحاربة ظاهرة اكتظاظ السجون".

إلى ذلك، يعيد مراقبون الاكتظاظ الشديد في المؤسسات السجنية في المغرب، إلى اعتقال آلاف المشتبه بهم إلى حين الحسم في ملفاتهم من طرف المحاكم.

دلالات