انتهت اليوم آجال تقديم ملفات ضحايا عهد الاستبداد إلى هيئة الحقيقة والكرامة في تونس، حيث فاق عدد الملفات المقدمة 54 ألفاً، كما تم عقد أكثر من 5500 جلسة استماع إلى الضحايا بمقر الهيئة.
وتوافدت، خلال الأيام الماضية على الهيئة، ملفات أبرز الشخصيات السياسية والمنظمات العريقة، على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل، وجمعية القضاة التونسيين، إلى جانب عدد من الأحزاب، مثل حركتي النهضة والبعث، بالإضافة إلى مناضلين سياسيين ونشطاء من المجتمع المدني، ومحافظات من الجنوب والشمال الغربي تعرضوا إلى التهميش والحرمان من العدالة الاجتماعية على مدى عهود طويلة.
وقدّم رئيس الجمهورية السابق، محمّد المنصف المرزوقي، ملفّا باسم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أسسه، وذلك حول انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرّض لها الحزب. كما أودع ملفاً بصفته الرئيس السابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان خلال الفترة من 1992 إلى 1994.
وفي السياق ذاته، أودع الاتحاد العام التونسي للشّغل ملفاً ورد فيه وفقاً لتصريح، المولدي الجندوبي، الأمين العام المساعد، لـ"العربي الجديد"، إن "الاتحاد العامّ التّونسي للشّغل تعرّض عبر تاريخه الطّويل، منذ التأسيس وإلى غاية اليوم، لشتّى أنواع الانتهاكات والمضايقات، وخاصة في الفترات التاريخية الحاسمة مثل سنوات 1965 و1978 و1985 و2008 و2012".
وشملت الانتهاكات وفقاً لقوله "الأشخاص والأملاك والمقرّات من سجن وتعذيب وإيقافات ومحاكمات عشوائية، واقتحام المقرّات وتهشيمها، والاستيلاء على أرشيف الاتحاد وإتلافه".
في التوجه ذاته، أكّدت روضة القرافي، رئيسة جمعية القضاة التونسيين، لـ"العربي الجديد"، أن "الجمعية تقدّمت بملفها على خلفية التضييق الذي تعرض له أعضاؤها وسلسلة الانتهاكات التي عاشوها" وأضافت أن "الملف تضمّن أيضاً ما تعلق بتداعيات الانقلاب على الهيكل التمثيلي للقضاة بداية من 3 يونيو/ حزيران 2005، وما رافق ذلك من انتهاكات جسيمة لحرية التعبير، والتجمع السلمي، وحرية التنقل داخل البلاد وخارجها، إلى جانب المساس باستقلالية السلطة القضائية وتوظيفها لخدمة منظومة الفساد".
كما أودعت أيضاً كلّ من حركتيْ النهضة والبعث ملفاً لدى هيئة الحقيقة والكرامة، جراء ما تعرضتا له من تضييق واستبداد ومحاصرة وتعذيب وانتهاك حقوق قيادييها وناشطيها.
في السياق نفسه، قدّمت الطائفة اليهودية التونسية ملّفها باسم كبير أحبار تونس، متعلق بالانتهاكات التي تعرض لها اليهود التونسيون من يوليو/ تموز 1955 إلى نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2013.
بهذه الملفات وغيرها، يسدل الستار على آجال قبول الشكايات من قبل ضحايا الاستبداد انطلاقاً من 1952 إلى 2013، كما يمرّ في الشهر الحالي، أي يوم 9 يونيو/حزيران سنتان على إحداث هيئة الحقيقة والكرامة التي لم يكن مسار تأسيسها بالسهل، بل شهد العديد من العقبات والتوترات والتجاذبات الحزبية والسياسية، خاصة اختيار أعضائها وفي مقدّمتهم رئيسة الهيئة سهام بن سدرين.
وأكّد محمد ضياء بن عثمان، القيادي في حزب التيار الديمقراطي، أنّ "الحزب سيرفع قضية في حال لم يقم المكلف نزاعات الدولة بإيداع ملف لدى هيئة الحقيقة والكرامة لمحاسبة الفاسدين في حق الدولة ومؤسساتها وخيراتها"، وأضاف أن "عدم تقديم ملف باسم الدولة يُعدّ استهانة بالشعب وبكرامته وحقوقه التي هُدرت على مدى عقود طويلة".
من جهة أخرى، بيّن كمال الغربي، رئيس الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية، لـ"العربي الجديد"، أن "مجموعة من مكونات المجتمع المدني، المشتغلين على العدالة الانتقالية، قد دعت إلى تنظيم مؤتمر وطني للعدالة الانتقالية، خلال شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، بمشاركة كل المتدخلين في هذا المجال لتقييم المسار والتوافق على رؤية وطنية لإنجاحه، وتكوين حزام أمان من المجتمع المدني بدعم من منظمات دولية للتصدي لأي مشروع يرمي إلى إنجاز المصالحة قبل المحاسبة وخارج صلاحيات الهيئة".
وأضاف "طالبنا، أيضاً، هيئة الحقيقة والكرامة بتحسين الجانب التواصلي والإعلامي والعمل بكلّ وضوح وشفافية لتسهيل متابعة أعمالها، وتقديم المقترحات في ما يمكن أن يعتريها من اختلالات أو تجاوزات".