تونس: تصاعد المطالب الشعبية بإعدام قاتل الطفل ياسين

26 مايو 2016
طالبوا بإعدام القاتل وحماية الأطفال (Getty)
+ الخط -

لم تهدأ بعدُ مشاعر التونسيين التي أثارها مقتل الطفل ياسين، ذي الأربع سنوات، على يد أحد منتسبي الجيش، وتعددت أشكال الاحتجاج، منذ تشييع جنازته الأسبوع الماضي، وخرج أهالي حي الملّاسين، أحد أكبر الأحياء شعبية، مرة أخرى، منذ يومين، في اتجاه مقر الحكومة بالقصبة، للضغط في اتجاه إعدام المتهم، بعد أن نظموا وقفة احتجاجية، منذ أيام، أمام مقر وزارة الدفاع.

وضمّت المسيرة الحاشدة التي انطلقت من الحي إلى مقر الحكومة، مئات من أهالي الملاسين وحي هلال بالعاصمة، مطالبين بتنفيذ حكم الإعدام على القاتل، كما رفعوا صور الطفل ياسين في جنازة رمزية، منادين بتطبيق أقصى عقوبة في حق القاتل حتى يكون عبرة لغيره.

وطوّقت قوات الأمن مكان التظاهر وأحكمت مراقبة المنافذ المحيطة بحيّ القصبة، حيث مقر وزارات متعددة، بالإضافة الى رئاسة الحكومة.

وعلى الرغم من حالة التشنج والغضب الكبيرين التي سيطرت على المتظاهرين، حيث تعمد بعض الشباب تجاوز الجدار الأمني المحيط بقصر الحكومة بالقصبة، إلا أن قوات الأمن تصدت لذلك بهدوء كبير، وتفهم لمشاعر الغضب دون تسجيل أي مواجهات بين الطرفين.

وقال المحتجون، إنهم لن يتوقفوا عن التظاهر حتى تطبيق حكم الإعدام في هذه الجريمة الشنيعة، مطالبين بوضع حد لجرائم اختطاف الأطفال أو الاعتداء عليهم.

وكان المتحدث باسم النيابة العمومية في المحكمة الابتدائية بتونس، معز بن سالم أكد في تصريحات سابقة أن القضاء المدني قرّر التخلي عن القضية لفائدة القضاء العسكري، لأن القانون التونسي يقضي بمحاكمة كل عسكري أمام محكمة عسكرية مهما كانت نوعية القضية.

وأكد بن سالم في تصريح إذاعي، أنّ المتهم اعترف بجريمته أثناء التحقيق معه وأقر باختطافه للطفل ياسين والاعتداء عليه جنسياً وقتله وإخفاء الجثة، وقامت السلطات بتشخيص تفاصيل العملية منذ الاختطاف إلى واقعة المفاوضة ثم القتل وإخفاء الجثة ببيته، لافتاً إلى أن اعترافات القتل كانت متزنة ودقيقة ولم تدل على إصابته باضطرابات نفسية أو سلوكية.


وأضاف بن سالم، أن المتهم لم يُفسّر جريمته أو أسبابها مكتفياً بالقول " ألّي صار.. صار"، مؤكداً أنه لم يحاول قبل يوم الجريمة أن يقوم بعمل مُشابه، غير أنه اعترف أنه حاول يوم الجريمة بالذات أن يختطف أطفالاً آخرين في أربع مناسبات في اليوم نفسه، إلا أنها باءت بالفشل قبل إقدامه على اختطاف الطفل الضحية، مؤكداً أن النيّة المسبقة متوفرة في الجريمة، وأن المتهم اعترف بكل تفاصيلها.

وتلقت عائلة الطفل ياسين سيلاً من التضامن، سواء من أهالي الحي، أو مختلف شرائح المجتمع التونسي في الداخل والخارج، أو من طرف المحامين المتطوعين للدفاع عن عائلة الضحية.

وعاد الجدل حول عقوبة الإعدام في تونس من جديد، وتراجع الرافضون التقليديون للعقوبة أمام حالة الغضب الواسعة، ريثما تهدأ النفوس قليلاً، لكن حالة التعاطف مع العائلة اكتسحت لأيام مواقع التواصل ومنابر الإذاعات والشاشات، وتطوع للدفاع عن العائلة حوالى 500 محام تونسي.

وأكد العميد الأسبق، الأستاذ بشير الصيد، الذي سبق له التطوع في كثير من القضايا السياسية قبل الثورة وبعدها، أنها ليست المرة الأولى التي يهبّ فيها عدد كبير من المحامين للدفاع عن قضية، مبيناً أنه في عهد المخلوع بن علي تطوع 800 محامٍ للدفاع عنه شخصياً، عندما اعتقل لأسباب سياسية.

وقال الصيد لـ"العربي الجديد"، إنّ قضية الطفل ياسين عرفت ببشاعتها الشديدة، ورافقها عمل شنيع يتعلق بالاعتداء بالفاحشة، وهو ما جعل القضية تأخذ صدى واسعاً في تونس".

وأضاف "أنه لا يكفي بشاعة الجريمة بل تعمد الجاني ذبح طفل بريء دون أي ذنب، مؤكداً أن هذه البشاعة هي التي أثارت تعاطف التونسيين مع الضحية، وحفزت همم عدد كبير من المحامين، لذلك هبّوا للدفاع عن الحق وإنصاف أهل الضحية ضد ما وصفوه بالإجرام الشنيع.

وأشار إلى أنّ المجتمع التونسي بمثقفيه ونخبه السياسية ومجتمعه المدني لا يزال يتصرف بالعاطفة، وأن هناك قضايا أخرى سبق وأن هزّت الرأي العام في تونس كقضية سفاح نابل الذي ذبح عدداً كبيراً من القُصر والأطفال، وقضية مقتل الطفل ربيع، وجلّها قضايا مؤثرة نفسياً وقانونياً واجتماعياً.

من جهته، قال الأستاذ منير بن صالحة، المختص في قضايا العنف والجرائم، لـ"العربي الجديد" إنّ قضية مقتل الطفل ياسين، تحولت في تونس إلى قضية رأي عام، وهو ما يفسر سبب تطوع هذا العدد الكبير من المحامين في الدفاع عنها. وأوضح أنه في مثل هذه القضايا سرعان ما يفتح باب التطوع للمحامين للترافع عن الضحية، خاصة أن القضية مجانية وتتعلق بطفل وهو ما يعرف بالقضايا العادلة.

وقال بن صالحة، إنه تطوع في البداية للمرافعة عن الضحية، لكن أمام العدد الكبير للمحامين المتطوعين والذي ناهز الـ 500 محامٍ، اختار الانسحاب، مبيناً أنه لا يمكنه الاشتغال في ظل تواجد هذا العدد الكبير من المحامين، كما يصعب عليهم التنسيق فيما بينهم أثناء الدفاع.

وأشار إلى أن هذا التعاطف الكبير مع الضحية، وتواجد عدد كبير من المحامين يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية فتختل الموازين ويصبح المتهم كأنه هو الضحية.

وأوضح أنه انسحب من هيئة الدفاع خوفاً من الأثر السلبي لتواجد عدد كبير من المحامين، معتبراً أن فتح باب التطوع أمر محمود في مثل هذه القضايا، لافتاً إلى أن المحامين في تونس عرفوا بهبّتهم الجماعية، وهم عادة سباقون في الترافع على قضايا الرأي العام، لكن لا بدّ من الحذر كي لا يؤثر العدد الكبير للمرافعات على سير المحاكمة.