قبل نحو سنتَين، شرعت الحكومة التونسية في إعداد جرد مفصّل للجمعيات والبحث في مصادر تمويلها خصوصاً الخارجية منها. عمليّة الجرد تلك كشفت ارتباط جمعيات عديدة بالإرهاب، وتلقيها تمويلاً مشبوهاً. كذلك كشفت أبحاث وعمليات أمنية عن دور عدد كبير من الجمعيات الخيرية في مساندة الإرهابيين، لا سيّما مادياً.
مئات الجمعيات متورّطة مع شبكات إرهابيّة، بحسب ما تفيد هيئات تُعنى بمراقبة الفساد. وقد أكّدت "الجمعية التونسية للحوكمة الرشيدة" في دراسة أعدّتها، أنّ من بين 17 ألف جمعية ناشطة في تونس، 20 فقط تحترم قانون الجمعيات. كذلك، فإنّ موازنات جمعيات عديدة تصل إلى مئات ملايين الدولارات الأميركيّة، في حين يرتبط عدد كبير منها بأحزاب تعتمدها كغطاء للحصول على تمويل أجنبي.
مراقبة الجمعيات والتدقيق في مصادر تمويلها أو أهدافها وأنشطتها والتي كشفت علاقات كثير منها بشبكات إرهابية، أدّت إلى تجميد أنشطة المئات منذ عام 2014. وقد أوضح رئيس الحكومة الحبيب الصيد أنّ قرارات تجميد جديدة سوف تصدر خلال الأيام المقبلة، بحقّ عدد من الجمعيات، على خلفيّة شبهات فساد وإخلال بالقانون. يُذكر أنّ مصالح الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، أنهت في الفترة الأخيرة تدقيقاً مفصلاً حول منظومة التمويل العمومي للجمعيات في تونس، ورفعته إلى رئاسة الحكومة. وتضمّن التدقيق تشخيصاً لواقع الجمعيات التونسية ومقترحات لدعم مبدأ المراقبة وإرساء الشفافية المالية.
يتحدّث الوزير المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان كمال الجندوبي، عن "أكثر من 157 جمعية في تونس يُشتبه في علاقتها بالإرهاب اليوم"، مشيراً إلى "تجميد عدد من تلك المشتبه فيها والتي على علاقة بالإرهاب، فيما تتابَع ملفاتها قضائياً". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "بعض أنواع أخرى من الإخلال بالقانون تتطلب تنقيحاً قانونياً لتفعيل قرارات التجميد".
من جهته، يقول الكاتب العام للحكومة التونسية أحمد زرّوق إنّ من بين الجمعيات (157) التي تحوم حولها شبهة إرهاب، 42 جمعية غير قانونية. ويشير إلى أنّ "95% من ملفات الجمعيات التي تقدمت للحصول على ترخيص، غير مكتملة في الشكل والمضمون، وفق ما ينصّ عليه المرسوم المنظم للجمعيات". يضيف أنّ "الكتابة العامة للحكومة وجّهت 1300 مراسلة للراغبين في تأسيس جمعيات من أجل تفادى النقص واستكمال الإجراءات".
في السياق، يقول رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد إبراهيم الميساوي لـ "العربي الجديد"، إنّ "الجمعيات التونسية لم تخضع للمراقبة طيلة السنوات الأخيرة، بل بقيت خارج دائرة المتابعة خصوصاً في ما يتعلّق بالتمويل". ويشير إلى "وجوب أن يكون مبدأ المراقبة ذاتياً، ومن ثمّ إدارياً. وعندما تُرصد تجاوزات وإخلال بالقانون من قبيل تلقّي الأموال من دون الإعلان عنها، يُصار إلى تجميد نشاط الجمعية. وإذا واصلت أعمالها، يحوَّل ملفها إلى القضاء. لكن على أرض الواقع، يمكن القول إنّ المراقبة ضعيفة، فقد بقيت جمعيات عديدة تنشط في مجال تمويل الإرهاب من دون رقيب".
إلى ذلك، ينصّ الفصل 35 من المرسوم 88 المنظم للجمعيات: "يحذّر على الجمعيات قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلك الدول". أمّا الفصل 41 فينصّ على أن "تنشر الجمعية المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية وتذكر مصدرها وقيمتها وموضوعها في إحدى وسائل الإعلام المكتوبة وفي الموقع الإلكتروني للجمعية إن وجد، في ظرف شهر من تاريخ قرار طلبها أو قبولها. وتعلم الكاتب العام للحكومة بكلّ ذلك بمكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ في نفس الأجل".
وقد وُجّهت انتقادات إلى الفصل المتعلق بإمكانية حصول الجمعيات على تمويل أجنبي، حتى وإن قُيّد ذلك بأموال من الدول التي تربطها بتونس علاقات دبلوماسية. بالنسبة إلى المنتقدين، فإنّ ذلك غير كاف لمراقبة تمويل جمعية ما، لا سيّما أنّها غير ملزمة قانوناً بالتصريح عن أملاكها وتمويلها. أيضاً، لا تلتزم كلّ الجمعيات بنشر المساعدات والتبرعات التي تتلقاها ولا تذكر مصادرها وقيمتها في أيّ وسيلة إعلامية.
تجدر الإشارة إلى أنّه منذ إلغاء قانون الجمعيات القديم والمصادقة على المرسوم 88 بتاريخ 24 سبتمبر/ أيلول 2011 الذي يخوّل أياً كان تأسيس جمعية ويخفّف كذلك من حدّة المراقبة الحكومية عليها، ارتفع عدد الجمعيات في البلاد إلى 17 ألفاً و245 جمعية ذات أهداف مختلفة، نحو خمسة آلاف منها تعمل تحت غطاء العمل الخيري.