الأسير عطا الله.. عنوان لكفاح الأسرى في سجون الاحتلال

17 ابريل 2016
نال ثلاث شهادات جامعية في الأسر (العربي الجديد)
+ الخط -


لا يمكن لعزيمة فلسطيني، يؤمن باستمرارية الحياة وممارسة الحقوق الطبيعية، أن تنكسر أو تتحطم أمام عتبات السجن، هكذا كان الأسير عبد الناصر عطا الله (48 عاماً)، الذي أمضى خلف القضبان أكثر من 21 عاماً، وما زال بعزيمة صلبة لا تكسرها إجراءات الاحتلال، ولا حكم مؤبدين، وما يعني بقاؤه بعيداً عن أهله وأحبته مدى الحياة.

اعتقل عطا الله، في 19 أغسطس/آب عام 1995، أثناء تواجده في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، بكمين محكم من قوات إسرائيلية خاصة حاصرته في أحد شوارع المدينة.

لم تثن سنوات السجن، عطا الله، عن ممارسة دوره القيادي في الدفاع عن الحقوق التي كافح من أجلها. وكان قبل اعتقاله يدرس الشريعة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس، وكان يسكن في مخيم بلاطة شرق المدينة، وقد نُصب أميراً للكتلة الإسلامية خلال دراسته التي لم يكملها بسبب ظروف اعتقاله الأول عام 1989، والثاني عام 1995.

انتقل بعد الإفراج عنه إلى قطاع غزة، وأكمل دراسته في الجامعة الإسلامية، واضطر للعودة إلى الضفة الغربية، حيث لوحق من جيش الاحتلال الإسرائيلي مدة عام كامل بتهمة تنفيذه عمليات ضد الاحتلال كان منها عمليات استشهادية، أدت إلى مقتل عدد من الإسرائيليين، وقد أطلق عليه الاحتلال الإسرائيلي اسم "المهندس الثاني"، لكتائب القسام بعد الشهيد يحيى عياش، والتي حكم على خلفيتها بمؤبدين.


شقيقه الأسير المحرر عمر، يقول لـ"العربي الجديد": "أخي عبد الناصر محكوم مدى الحياة مرتين، إضافة إلى أحكام بعشرات السنوات من محكمة الاحتلال الإسرائيلي"، مضيفاً: "يقبع الآن عبد الناصر في سجن ريمون العسكري، ويعاني من بعض المشاكل الصحية، إلا أنه قياساً لظروف بعض الأسرى المرضى يعتبر بصحة جيدة".

ويعاقب الاحتلال عائلته، عبر تقليل زيارتها له داخل السجن كباقي الأسرى، وتسمح إدارة السجن لعائلته بزيارة واحدة كل عام أو عامين، وكان آخرها قبل سبعة أشهر، وفق شقيقه عمر. ويوضح، أن الاحتلال كان أصدر تصريح زيارة لشقيقتي الأسير، المقيمتين في دول عربية، غير أنهما لم تتمكنا من زيارته، لصعوبة الوصول بشكل سريع لإتمام الزيارة في موعدها.

عطا الله أصر أن يكمل تعليمه داخل سجون الاحتلال رغم رفض مصلحة السجون لهذا الطلب، ورفع قضية ضدها، واستطاع أن يكسبها، وتمكن من دراسة العلاقات الدولية في الجامعة العبرية المفتوحة، وهي الجامعة الوحيدة التي يمكن للأسرى الفلسطينيين أن يلتحقوا بها وهم داخل السجون.

وبعد حصوله على الشهادة الجامعية الأولى "البكالوريوس"، واصل دراسته، وحصل على درجة الماجستير في نفس التخصص، إضافة إلى درجة ماجستير ثانية في الدراسات الإسرائيلية من جامعة القدس. كما حصل على شهادة اعتماد من قبل وزارة التربية والتعليم وهيئة شؤون الأسرى كعضو في اللجنة الأكاديمية العليا المشرفة على تعليم الأسرى في برنامج التعليم الخاص، التابع لجامعة القدس المفتوحة.

ويعمل الأسير على تدريس الطلبة المعتقلين، ويكمل معهم مساقاتهم الجامعية داخل السجن ليتم احتسابها في جامعاتهم، الأقصى والإسلامية في قطاع غزة، والقدس المفتوحة والقدس "أبو ديس" بالضفة الغربية، ضمن اتفاق مع الجامعات، إضافة إلى تقديمه محاضرات ثقافية للأسرى ضمن برامج ثقافية وتوعوية خاصة.

وألَّف الأسير عطا الله ، بمعاونة الأسيرين مروان البرغوثي، وعاهد أبو غلمة، كتاباً مشتركاً بعنوان "مقاومة الاعتقال"، تحدثوا فيه عن فترة الاعتقال وكيفية التعامل معها دون الوقوف في كمائن الاحتلال لانتزاع الاعتراف من المعتقلين. كما ألَّف عدة أبحاث تخصصت بالشؤون الإسرائيلية، منها: "العلاقة بين المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل"، و"العلاقات الخارجية بين أمريكا وإسرائيل"، وبعضها أبحاث عربية ودولية مثل "الثقافة والتغيير في مصر وتونس".

إضافة إلى ذلك، كان الأسير عطا الله، أحد مهندسي وثيقة الأسرى الفلسطينيين في عام 2006، والتي وضعت بنود اتفاق مصالحة فلسطيني- فلسطيني، في محاولة لتجسيد الوحدة الوطنية بين الأحزاب الفلسطينية.

ترعرع عطا الله، في عائلة وطنية مناضلة طاولتها يد الأسر والجرح، وهُدم منزل عائلته عام 1989 في مخيم بلاطة، وطردوا قبلها من منزلهم في أحد أحياء مدينة نابلس، كما تعرض والده للاعتقال أكثر من مرة، وأصيبت شقيقته بالرصاص الحي خلال الانتفاضة الأولى، إضافة إلى تعرض غالبية أشقائه للاعتقال أكثر من مرة في سجون الاحتلال.

توفي والدا عطا الله وهو داخل السجون، وأنجب أشقاؤه وشقيقاته أطفالاً ولم يرهم ولا يعرفهم للآن.

انتخب عطا الله عام 2005 لأول هيئة قيادية عليا في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، داخل السجون، وعلى الرغم من ذلك ظل متواضعاً ومحباً للجميع، وحظي بعلاقات طيبة مع كافة الأسرى داخل السجون، ولم تقتصر علاقاته مع أبناء الحركة، التي ينتمي لها ويعيش في أقسامها داخل السجن، بل تميزت علاقته مع أبناء التنظيمات الأخرى، كما أكد شقيقه عمر والذي عايشه داخل السجون خلال إحدى فترات اعتقاله.

وأوضح أن كافة الأسرى على اختلاف أحزابهم متمسكون بشقيقه، يستشيرونه ويناقشونه بأمور خاصة وداخلية، وكان يساهم في حل الخلافات بين الأسرى، ويعمل على الحفاظ بشكل مستمر على الصف الوطني بين كافة الأحزاب".

المساهمون