نوروز إيران.. أسطورة حيّة

20 مارس 2016
سلع كثيرة تخصص للعيد (العربي الجديد)
+ الخط -

للإيرانيين تقاليد عريقة في احتفالاتهم، خصوصاً في رأس السنة الفارسية الذي يصادف اليوم. من هذه العادات "سفرة السينات السبع" و"الأربعاء الأحمر" وطبق السمك والأرزّ.


اليوم الأحد 20 مارس/ آذار، في الساعة الثامنة و12 ثانية صباحاً بحسب التوقيت المحلي في إيران، الذي يوافق الرابعة و32 دقيقة و22 ثانية فجراً بتوقيت غرينتش، يجلس الإيرانيون حول "سفرة السينات السبع" المحضّرة لهذه اللحظة، لقراءة دعاء مطلع العام الشمسي الجديد وهو عام 1395.

تختلف ساعة الانقلاب الربيعي التي تحسب فلكياً بشكل دقيق من عام إلى آخر، ويختلف معها توقيت رأس السنة الجديدة. ما اختلف هذا العام أيضاً، هو الاحتفال بعيد النوروز قبل وقته المعتاد بيوم واحد، فالسنة الميلادية الحالية كانت سنة كبيسة وهو ما جعل الموعد أقرب بيوم.

عيد النوروز الذي يعني بالعربية "اليوم الجديد"، يحتل مكانة خاصة لدى الإيرانيين. هو العيد الأهم لديهم بلا منازع منذ آلاف السنين بحسب الروايات والقصص التاريخية، ولطالما كان للطبيعة الأثر الأكبر في حياة الإيرانيين اليومية، حتى في أساطيرهم المتناقلة عبر العصور. العيد يمثل بداية العام بالنسبة إليهم، فهو بداية التجدد لكلّ شيء في هذا الكون.

تنقل بعض الروايات أنّ عيد النوروز يعود إلى أكثر من ستة آلاف عام مضت. فالآريون الذين هاجروا إلى إيران من سيبيريا كانوا يقسمون السنة إلى فصول باردة وحارة، وكانوا يحتفلون مع بداية كلّ فصل. وبعد اعتناق الإيرانيين الزرادشتية كدين رسمي في البلاد قبل 3500 عام، كانوا يحتفلون بحلول الربيع ويعدّون النور والشمس والدفء رمزاً للخير. هناك روايات تقول إنّ الاحتفال بالنوروز كان يستمر لعشرة أيام حينها، يكرّم فيها المحتفلون أرواح من غادروا الحياة الدنيا، كذلك تقول الإسطورة إنّ الإنسان ولد على الأرض في هذا اليوم.

الألواح الفخارية الموجودة في "تخت (عرش) جمشيد" في شيراز جنوباً، تؤكد أنّ النوروز كان على رأس المراسم والطقوس التي يهتم بها البلاط الملكي والعامة على حد سواء. الملك جمشيد الذي حكم البلاد في عهد الإخمينين (595 قبل الميلاد) كان يستقبل الضيوف ويتلقى الهدايا من الجميع مع حلول الربيع، بالتزامن مع تنظيم احتفالات خاصة.

الإيرانيون كانوا في ذلك العهد يزرعون الحبوب والبقول لتنمو فتزداد الخضرة والجمال. كانوا يحرصون على رش المياه على بعضهم بعضاً، في طقس يرمز إلى ضرورة الطهارة قبل بدء العام الجديد.

في هذا العصر، تختلف بعض الطقوس، لكنّ الجوهر هو ذاته. ما زال الإيرانيون يستعدون للعيد برش الماء لكن داخل البيوت، التي يحرصون على تنظيفها ونفض الغبار عن أثاثها. ولا تكمن أهمية ذلك في كونهم سيستقبلون ضيوفاً أم لا في العيد، بل في أنّه يشكل تكريساً لطقس الطهارة قبل بدء الربيع. ويحرص معظمهم على شراء ملابس جديدة، ومنهم من يبدل حاجيات كثيرة في منزله. وإن لم يكن البعض قادراً على الأمر، فإنّه يحرص على شراء أي غرض جديد للمنزل. كما تتجدد الطبيعة، كذلك يجب تجديد كلّ ما هو حولهم.

يستعد الإيرانيون للدخول في فترة النوروز بإحياء يوم "الأربعاء الأحمر" أو "أربعاء النار"، فيشعلون النار ويطلقون المفرقعات النارية في ليلة الأربعاء الأخيرة من العام الفارسي. النار التي كانت ترمز إلى الحكمة في الماضي، ما زالت حاضرة في طقوس الإيرانيين.

في ساعة الانقلاب الربيعي، يجتمع كل أفراد العائلة حول "سفرة السينات السبع" المجهزة قبل أيام، وعليها سبع حاجيات تبدأ بحرف السين بالفارسية. وهي "سيب" أي تفاح وترمز إلى الجمال والسلامة، و"سير" أي الثوم الذي يرمز إلى الصحة، ونبتة "سنبل" وترمز إلى الزينة. بالإضافة إلى السمّاق، وحلويات "سمنو" التقليدية الشهيرة وفاكهة السنجد. كذلك يضعون "سكة" وهي قطعة نقود معدنية، للدلالة على الرزق والمال والبركة. ويجب أن يحضر على السفرة حوض فيه سمكة ترمز إلى الحياة. بعد دخول الإسلام إلى إيران، بات وضع نسخة من المصحف جزءاً لا يتجزأ من السفرة.

كذلك، يضع الإيرانيون وعاء صغيراً فيه ماء تطفو على سطحه أوراق نارنج (أبو صفير) أو أي أوراق خضراء طازجة عطرة. يعتقدون أنّ الأرض التي تدخل في فصل الربيع تهتز في تلك اللحظة، فيراقبون بتشوق حركة الماء على طاولتهم.

في بعض الروايات، فإنّ "سفرة السينات السبع" كانت تسمى "سفرة الشينات" قبل دخول الإسلام إلى إيران. وكان الـ"شراب"، أي الخمر، جزءاً رئيساً على هذه الطاولة، التي يوضع عليها "شهد" أي عسل، و"شيريني" من الحلويات، وغيرها.

روايات أخرى تقول إنّ السفرة كانت تسمى "هفت تشين" وهفت التي تعني سبعة، كانت تتعلق بأشياء تنسق على الطاولة، وفعل التنسيق والترتيب هذا يسمى بالفارسية "تشين". يقال إنّ الهدف كان وضع سبعة أشياء تبدأ بالحرف ذاته ترمز جميعاً إلى شيء متصل بالطبيعة.

لا تُنسى صلاة العيد في هذا اليوم، والدعاء الذي يقرأ حول الطاولة، فيما لا يغيب طبق السمك والأرزّ عن أيّ عشاء في العيد. ويحرص الجميع على زيارة بعضهم بعضاً، بالإضافة إلى زيارة القبور التي تنظف قبل رأس السنة. وكما سبق وذكرنا، ينظف كلّ بيت إحياءً لطقس الطهارة.

تنتهي فترة النوروز بعد يوم رأس السنة الذي يوافق ساعة الانقلاب الربيعي فلكياً بثلاثة عشر يوماً. في اليوم الثالث عشر من شهر فروردين، وهو الشهر الأول في التقويم الفارسي الرسمي المعتمد في البلاد، يحتفل الإيرانيون بيوم الطبيعة، الذي يسمونه أحياناً "يوم النحس"، فيخرجون جميعهم من بيوتهم إلى البساتين والحقول المفتوحة. ويقال إنّ البقاء تحت سقف يجلب النحس طوال العام الجديد. يأخذون معهم ما زرعوه في بيوتهم من حبوب وبقول، ليرموها في الطبيعة. هو طقس عمره آلاف السنين، لكن غايته كانت مختلفة، فما كان يزرع في وعاء طيني صغير، كان يرمى في مجاري الأنهار وقنوات المياه في هذا اليوم، ليركض من يرميه خلفه، بهدف استكشاف المناطق التي تنتهي فيها القنوات أو تسد وهو ما يمنع عبور المياه، وعليه بالتالي أن يفتحها ليضمن وصول الماء إلى كامل الأراضي الزراعية.

ينهي الإيرانيون بعد هذا اليوم الحافل في الهواء الطلق، فترة العطلات السنوية، ويعودون إلى أعمالهم بعد ممارسة كلّ الطقوس التي ترمز إلى تجدد عناصر الطبيعة.

اقرأ أيضاً: نوروز الحياة الجديدة وسط الدمار والموت