محبة وتناغم في عيد الميلاد بالقدس رغم إجراءات الاحتلال

25 ديسمبر 2016
احتفالات وطقوس للمحبة والسلم (العربي الجديد)
+ الخط -
يشكل عيد الميلاد هذا العام مناسبة مهمة بالنسبة لعائلة الأسير المسيحي المقدسي، جون قاقيش، من سكان حي الجبشة في البلدة القديمة من القدس الذي اعتقل قبل نحو ثلاثة أعوام، وعلى مدى تلك الأعوام تحيي عائلته العيد بـ"بلمة عائلية" كما تقول شقيقته دولين، لـ"العربي الجديد"، لكنه أول عيد تحييه العائلة بعد أن أصدرت محكمة إسرائيلية حكما جائرا منتصف العام الجاري يقضي بسجنه تسعة أعوام.

تتذكر دولين ومعها والداها، جون ليلة عيد الميلاد، ولا تغيب من ذاكرتها صورته وهو يعد العائلة للعيد ويجهز له طقوسه الخاصة من شراء الهدايا وإنارة شجرة الميلاد، والمشاركة في مسيرات الاحتفاء بقدومه، وأيضا في القداديس التي تقام سواء في كنيسة القيامة في القدس بعد أن يجتمع شمل العائلة، أو في كنيسة المهد في بيت لحم بعد أن يخرج المسيحيون في القدس العتيقة نحو مهد المسيح ليشاركوا في القداس الأكبر.

وتقول دولين، إنّ احتفالات عائلتها اقتصرت على البقاء في البيت، أمضت ليلتها يوم أمس السبت، وهي تشاهد البث المباشر لاحتفالات العيد من كنيسة المهد. "ليس هناك ما يمكن فعله بينما شقيقي في أسر الاحتلال بتهمة طعن مستوطنين.

أما والدة جون ودولين فبدت الأكثر تأثرا من غياب نجلها الذي كان يملأ البيت باحتفالات الميلاد، وينقل الفرح بالعيد إلى جيرانه وأصدقائه ورفاقه المسلمين الذين كان يقصدون بيت العائلة للتهنئة بالميلاد.

واعتادت والدة الأسير المقدسي جون في هذه المناسبة أن تستقبل منذ اعتقال نجلها رفاقه المسلمين حتى في أعياد الفطر والأضحى، ويخص الأصدقاء العائلة بتقدير خاص ومحبة كبيرة.



وحدها القدس تعيش متناغمة في عيش أبنائها مسلمين ومسيحيين، لا تفرق الطائفية بينهم، بل لا يذكرها الناس هناك ذكرا رغم ما عصف بالمنطقة العربية من أحداث خاصة في سورية والعراق، والجميع يرقب بقلق ما جرى هناك ويجري، وهم الذين اجتمعوا قبل فترة وجيزة في كنيسة الأقباط ليعزوا أنفسهم بضحايا الكنيسة القبطية.

طقوس خاصة ترافق الميلاد (العربي الجديد)


واختار المربي خضر حنا خضر، أن يحيي ليلة عيد الميلاد لدى كريمته "ريم" في منزل زوجها ببيت ساحور في بيت لحم. "كان احتفالا قصيرا اجتمعنا فيه كعائلة نحيي الميلاد كما تعودنا عليه في كل عام. لكنه هذا العام مختلف جدا، لأن ريم تزوجت وبالتالي قررنا أن نحتفل معها في بيتها"، يقول والدها خضر، والذي لا يخفي قلقه من تداعيات ما يحدث في المنطقة جميعها، مع ثقته بأن القدس وفلسطين لن تكون إلا نموذجا للمحبة بين أبنائها مسلمين ومسيحيين.

نشدان السلم والأمان (العربي الجديد)


بينما يشاركه هذا الشعور والفرحة بأعياد الميلاد صديق عمره المسلم سليمان قوس، الذي يؤكد قوة الروابط التي تجمع أبناء القدس جميعا، وقد اعتاد أن يشارك صديقه خضر أعياد عائلته، وتبادل التهاني أيضا بأعياد المسلمين.

شراء وتبادل الهدايا بهذه المناسبة (العربي الجديد) 


يقول قوس لـ"العربي الجديد": "مسيحيين ومسلمين وحدة واحدة لا نفرق بين بعضنا. مثلما قدمنا في مسيرة النضال، هم أيضا شاركونا بتضحياتهم ونضالاتهم، ونحرص إلى الأبد على هذا التناغم والانسجام الوطني والروحي".

ووفد إلى كنيسة القيامة المحتفلون من مقدسيين وحجاج مسيحيين من مختلف أنحاء العالم ليحيوا أعياد الميلاد من مختلف الطوائف المسيحية.

استقبال العام الجديد بسعادة (العربي الجديد) 


وكما جرت العادة كل عام، فقد انطلق الموكب الديني إيذانا بهذه الاحتفالات أمس السبت، من ديوان البطريركية في باب الخليل في القدس بقيادة الأب بيتسيبالا برفقة عدد من المطارنة والخوارنة، ووجهاء المؤسسات والجمعيات اللاتينية في القدس ووجهاء الرعية وصولا إلى كنيسة المهد.

وجرى للموكب حفل استقبال في منطقة دير مار الياس على مشارف القدس الجنوبية، وكان في استقباله رئيس بلدية بيت جالا وفق العرف والتقليد السنوي، ومن هناك انطلق الموكب إلى بيت لحم، إذ استقبله هناك نائب رئيس بلدية بيت لحم ورئيس بلدية بيت ساحور، وكاهن رعية اللاتين الأب رامي عساكرية.

وعلى غير عادتها، وباقتصارها على الاحتفالات البيتية ثم الانطلاق إلى القداس الأكبر في كنيسة المهد في بيت لحم، اضطرت العائلات المقدسية المسيحية التي تسير وفق التقويم الغربي لإحياء احتفالاتها بعيد الميلاد المجيد في منازلها، أملا في استقبال عام جديد يحمل لهذه العائلات وللعالم أجمع السلام والأمن والسعادة.

يقطن في البلدة القديمة من القدس داخل أسوارها التاريخية نحو 1200 مسيحي، من بين 5 – 7 آلاف مسيحي يتوزعون على أحياء المدينة المقدسة خاصة في بيت حنينا وضاحية البريد، فيما يبلغ عدد المقدسيين عموما داخل البلدة القديمة من القدس حاليا نحو 37 ألفا من أصل أكثر من 50 ألفا كانوا يقطنونها قبل العام 1967.

يشكل هذا العدد الإجمالي من مسيحيي القدس، نسبة قليلة جدا من المسيحيين الذين كانوا يقطنون في غالبيتهم داخل أسوار البلدة القديمة من القدس قبل العام 1967، وسقوط المدينة في قبضة الاحتلال الإسرائيلي، إذ كان عددهم في تلك الفترة يربو على الخمسة عشر آلاف مسيحي مقدسي.

لكن إجراءات الاحتلال التهويدية بحق المدينة المقدسة، والضغوط الاقتصادية والسياسية، وما تعرض له المقدسيون من اعتداءات من السلطة الاحتلالية الرسمية وأذرعها المختلفة من المستوطنين إلى نزيف هجرة في صفوفهم لم تشهده القدس على مدى قرون من الزمن، وفقا لما يؤكده لـ"العربي الجديد" برنارد سابيلا، عضو المجلس التشريعي عن حركة فتح، والخبير في شؤون الديمغرافيا المسيحية في المدينة المقدسة.